الأحد, مايو 5, 2024
الرئيسيةأخبار محلية“جرصة” دياب أمام السفراء …

“جرصة” دياب أمام السفراء …

- Advertisement -

في عالم العلاقات الدوليّة والدبلوماسيّة، لا يمكن وصف الخطاب الذي أدلى به رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، أمام سفراء العالم بأقل من الأداء المبتدىء وغير الموفّق في عالم السياسة والاقتصاد. فارتدادات الخطاب في الأوساط الدبلوماسيّة الأوروبيّة المعنيّة بتفاصيل الشأن اللبناني، وخصوصاً الجانب المالي والاقتصادي منه، جاءت سلبيّة بما يفوق الوصف، إلى الحد الذي دفع بعض الدبلوماسيين الحاضرين إلى التساؤل بعد الخطاب، عن السبب الذي دفعه إلى الإقدام على هذه الخطوة غير المحسوبة.

- Advertisement -

بالنسبة إلى هؤلاء، بدا دياب هائماً في عالمه الخاص، الذي يتحدّث فيه عن مؤامرات تحاصره وتحجب المساعدات وتعاقب اللبنانيين، في حين أن دياب هو من قرر فرملة الكثير من مسارات الدعم الخارجي طوال الأشهر 11 الماضية، بحجّة عدم امتلاك حكومة تصريف الأعمال صلاحيّة البت بهذه الملفات. كما كان هو من قرر عدم العمل على أي معالجة فعليّة للوضع الراهن مستعملاً الحجة نفسها. أما نبرة الابتزاز الصريح بقضايا اللاجئين وأثرها على دول المنطقة والعالم، في حال انهيار الوضع بشكل تام في لبنان، فبدت استعادة لإسطوانة سئم العالم سماعها من “عهد” استعمل هذه الورقة طوال السنوات الماضية للحصول على المساعدات، من دون تكبّد عناء إجراء أي من الإصلاحات المطلوبة منها.

- Advertisement -

نغمة الحكومة المحاصرة
وفقاً لمصادر دبلوماسيّة متابعة، مثّل اتهام المجتمع الدولي بفرض حصار على اللبنانيين النقطة الأكثر استفزازاً بالنسبة إلى الغالبيّة الساحقة من السفراء الحاضرين. فدياب نفسه امتنع طوال الفترة الماضية عن التواصل مع البنك الدولي لتأمين التمويل المطلوب للبطاقة التمويليّة، عبر تعديل وجهة استعمال قرض البنك الدولي المخصص للنقل العام، وتخصيص القرض لتمويل البطاقة (قيمة هذا القرض تبلغ حدود 295 مليون دولار). علماً أن تعديل وجهة استعمال القرض بهذا الشكل تحتاج إلى مسار من المفاوضات مع البنك الدولي، لتحديد شروط هذا التمويل وآليات مراقبته وضبطه. وهو ما لم يبدأ بعد بحجّة عدم امتلاك الحكومة المستقيلة هذه المساحة من الصلاحيّات، رغم أنّ حكومة تصريف الأعمال نفسها قامت بهذا الأمر بالنسبة إلى قرض البنك الدولي المخصص للأسر الأكثر فقراً.

- Advertisement -

وبينما كان من الممكن أن يستحصل دياب مسبقاً على الضوء الأخضر أو الغطاء من المجلس النيابي، للانطلاق بمسار تعديل وجهة القرض ومعالجة مسألة الصلاحيّة، عبر تضمين مشروع قانون البطاقة التمويليّة بنوداً تعطي الحكومة صلاحية التفاوض لتأمين التمويل على هذا النحو، لم يتضمّن مشروع القانون عمليّاً أي بند بخصوص عملة وشكل التمويل ومصدره. كما لم يعطِ وزراء الحكومة أي إجابة حاسمة حول هذا الموضوع أمام المجلس.

ولهذا السبب بالذات، جاء الرد المنفعل للسفيرة الفرنسيّة آن غريو خلال اللقاء نفسه بعد خطاب دياب، حين ذكّرت دياب بأن حكومته قادرة على مفاوضة الهيئات الماليّة الدوليّة لمعالجة التدهور الحاصل، حتى في ظل تصريف الأعمال، مع إمكانيّة تفعيل قرض البنك الدولي اليوم، في إشارة إلى تقاعس الحكومة عن الاضطلاع بهذه المسؤوليّات حتّى اللحظة. ولكل هذه الأسباب، اعتبرت غريو أن تدهور الأوضاع الماليّة اليوم ناجم عن سوء إدارة لا حصار، مذكرةً بحجم المساعدات التي حصل عليها لبنان بعد انفجار المرفأ.

في كل الحالات، عمد المشرفون على اللقاء إلى قطع الترجمة الفوريّة خلال حديث غريو، ثم قاموا بقطع البث المباشر عن اللقاء بأسره، خوفاً من المزيد من ردود الفعل التي قد يبديها سائر السفراء أمام الرأي العام. لكن بمعزل عن كلمة غريو، من الأكيد حتّى اللحظة أن غالبية الدبلوماسيين الحاضرين كانوا يعلمون أن البنك الدولي أشار، في العديد من المناسبات، إلى أن حجم القروض غير المستعملة والمخصصة للبنان، والتي يمكن إعادة تخصيصها للتعامل مع الأزمة الماليّة الراهنة، تبلغ حدود 959 مليون دولار. لكنّ لبنان لم يبادر حتّى اللحظة إلى إعادة التفاوض على هذه القروض ووجهتها بعد، خصوصاً في ظل حالة الشلل التي يصر دياب على فرضها على حكومته، تحت ستار عدم تخطي حدود تصريف الأعمال.

خلفيات سياسيّة للعرقلة
حكاية دياب المتباكي على حالة الحصار اليوم، مع قروض البنك الدولي غير المستعملة، ليست سوى غيض من فيض العراقيل التي وضعها طوال الأشهر الماضية في سبيل أي معالجة فعليّة. في حالة القرض المخصص للأسر الأكثر فقراً، فاوضت حكومته على القرض بشكل فوضوي وغير مدروس، ما أدى إلى تباين فاقع بين بنود التفاهم الذي جرى مع البنك الدولي وبنود القانون الذي صادق بموجبه المجلس النيابي على القرض. وهو ما أدى إلى عرقلة تنفيذ المشروع بأسره. في حالة ترشيد الدعم، لم تقدم الحكومة على أي تفاهم أو تخطيط مع البنك المركزي للدخول في هذا المسار بشكل منظّم، فيما اكتفى دياب بمبادرات الوزراء الفرديّة كحالة وزير الصحة، أو اجتماعات بعض اللجان الوزاريّة التي لم تفضِ إلى أي خطة شاملة مدروسة. أما النتيجة فكانت مجموعة غير متجانسة من السيناريوهات التي وضعتها اللجان، من دون أن تستند إلى أي دراسات معمّقة، والتي تم إرسالها إلى المجلس النيابي لمجرّد رفع العتب.

عملياّ، اتصلت جميع هذه القرارات التي اتخذها دياب بأبعاد سياسيّة، من قبيل رفضه تحمّل مسؤوليّة قرارات غير شعبيّة مثل البدء برفع الدعم، مفضلاً ترك هذه القنبلة لخلفه. أو بعدم رغبته الدخول في صدام مع “مظلته المذهبيّة” التي حمته في محطات معينة بعد الاستقالة، من خلال تفعيل حكومة تصريف الأعمال، وإبطال قوة الضغط التي يملكها الرئيس المكلّف في وجه العهد.

وهكذا، كان دياب يحاول استعطاف الدبلوماسيين الأجانب، متحدثاً عن حالة الحصار التي تجعل جميع اللبنانيين يدفعون ثمن فساد النخبة السياسيّة، ومعاقبة المجتمع الدولي لها، في حين أن جميع الحاضرين يدركون تورطه في الكثير من القرارات التي عرقلت المعالجات المطلوبة خلال مرحلة تصريف الأعمال، ما يجعله عملياً جزءاً من هذه النخبة وسلوكياتها، التي ضاعفت من حدة الانهيار الحاصل في البلاد.

ابتزاز من دون إصلاحات
بمعزل عن قروض البنك الدولي التي تم عرقلتها مؤخراً، يدرك جميع الدبلوماسيين الذين حضروا اللقاء أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي خلال العام الماضي، والقروض التي تم ربطها بدخول لبنان في برنامج مع الصندوق، لم تتعثّر بسبب حالة حصار متعمّدة، بل بسبب تغاضي النخبة السياسيّة عن تطبيق أي من الإصلاحات التي طلبها الصندوق: من إسقاط الكابيتال كونترول والتدقيق الجنائي وخطة التصحيح المالي الشاملة، وصولاً إلى عرقلة التشكيلات القضائيّة وضرب استقلاليّة القضاء ودس المشاريع المشبوهة في خطة الكهرباء وغيرها. باختصار، أدرك المجتمع الدولي أن هناك نخبة سياسيّة لا تملك النيّة لتطبيق أي من هذه الإصلاحات، لتناقضها مع مصالح وجوديّة تملكها هذه النخبة.

لكنّ فجاجة خطاب دياب أمام السفراء كمنت في منطق الابتزاز، عبر طلب الدعم بعد إسقاط جميع الشروط التصحيحيّة التي حاول المجتمع الدولي فرضها على لبنان، من خلال تهديد المجتمع الدولي بأثر الأزمة الإنساني على اللاجئين، وأثر أزمة اللاجئين على دول العالم والمنطقة. كما برز منطق الابتزاز في مواضع أخرى من الخطاب، حين لمّح دياب إلى إمكانيّة حصول تغييرات جذريّة في التوجهات التاريخيّة للبنان، ملمّحاً لفكرة المحاور الشرقيّة والغربيّة.

في الخلاصة، ظهر خطاب دياب أمام السفراء وممثلي المؤسسات الدوليّة أشبه بمسرحيّة لم تنطلِ فصولها على أحد، لا من ناحية محاولة تسويق فكرة الحصار الذي تتعرّض له حكومته، ولا من ناحية تحييد نفسه عن النخبة التي ساهمت بدفع الأوضاع نحو الأسوأ. أما السؤال الأهم فيبقى: ما كان هدف الخطاب أساساً؟ فالتوجّه للسفراء وممثلي المؤسسات الدوليّة كان ممكناً بلقاءات مباشرة بعيداً عن الخطابات الرنانة وغير المقنعة، وبخطط مقترحة يمكن أن تستهدف التعامل مع بعض جوانب الأزمة، وهو ما لم يقم به دياب أساساً منذ استقالة حكومة. أما ما قام به دياب، فلم يصب إلا في وضع رئاسة الحكومة في صورة غير متزنة، وبعيدة عن الصورة المطلوبة لمسؤولين في دولة تسعى للخروج من حالة الانهيار.

المصدر  : المدن – علي نور

– Advertisement –



– Advertisement –


مقالات ذات صلة

اضغط على الصورة لتحميل تطبيقنا للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

انضم الى قناتنا على الواتساب للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

انضم الآن الى قناتنا على التلغرام للوظائف

spot_img

انضم الى مجموعتنا على الفيس بوك

spot_img

أحدث المقالات

Translate »