تتفاعل الازمات من قطاع رسمي الى قطاع آخر، والحل واحد معروف ومشروع وضروري للابقاء على آلة الدولة “شغالة” بما أمكن. لكن العين بصيرة واليد قصيرة، فحجم المطالب والحاجات مشكلة لا يمكن حلها الا بالمزيد من طبع الليرات بما يعني ذلك من تنامي منسوب التضخم وتسريع مسار انهيار سعر صرف الليرة.
ما الحل؟ معظم موظفي القطاع العام والتعليم الرسمي منكفئون بشكل شبه كلي عن وظائفهم، بسبب الارتفاع الهائل لكلفة #النقل والتدني في قيمة رواتبهم بفعل انهيار الليرة. من هنا ما عاد أمام المعنيين الا تجرع سم الزيادات وتقطيع المرحلة بما تيسر من امكانات لعل غدا منظورا يجترح عجائب تنقذ ما تبقى. لذا عمدت الدولة من خلال مجلس الوزراء الى تخصيص مبلغ 1500 مليار ليرة كبدل انتاجية لموظفي الادارات العامة مع 5 ليترات بنزين عن كل يوم عمل فعلي.
يبقى أن قرارا بحصر افادة موظفي الادارة العامة فقط سيفتح الباب أمام مطالبات جديدة في قطاعات مثل المستشفيات الحكومية والبلديات وربما مصالح المياه والكهرباء والمرافىء والمطار وغيرها، فهل ستقدر الدولة على هذا “الحمل” الثقيل؟ وكيف ستتدبر امورها؟ عاملان اساسيان يعيقان الاستجابة لهذه المطالب، أولهما انخفاض نسب الجبايات والتفلت والتهرب الضريبي المستشري، اضافة الى تدني قيمة الرسوم المجباة، أما العامل الثاني فهو الارتفاع المستمر بسعر صرف الدولار الاميركي الذي يهدد فاعلية هذه الاضافات وقيمتها الشرائية بما سيعيد الازمة الى المربع الاول ويفتح الباب أمام مطالبات متجددة.
وإذا كان أفضل ما في القرار أنه يعيد العمل الى إدارات الدولة وانتظام خدماتها للموطنين، بيد أن أخطر ما فيه أن تلجأ الدولة ومصرف لبنان الى تغطية تمويله بطباعة المزيد من العملة اللبنانية ولحس المبرد مرة أخرى، في حال لم تتطابق حسابات حقل الجباية المرتجاة مع حسابات بيدر كلفة القرار، وعندها لا حول ولا قوة الا بالمطبعة والمزيد من التضخم.
اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الازمة المالية على سير المرفق العام التي انعقدت أول من أمس، كلفت المدير العام لوزارة المال جورج معراوي اعداد تصور أولي عن بدلات انتاج اضافي يعطى لموظفي القطاع العام وبدل نقل، ليتم اقرار هذا الموضوع في جلسة قريبة لمجلس الوزراء يتوقع ان تعقد يوم الاثنين المقبل. وعلمت “النهار” أن معراوي يعكف على اعداد هذا التصور الذي يمكن أن ينجز خلال اليومين المقبلين على ابعد تقدير.
وفي التفاصيل أن مجلس الوزراء أقر في آخر جلسة له، مبلغ 1500 مليار ليرة لموظفي الادارات العامة كبدل انتاجية. وهذه الاموال ستؤمن وفق مصادر وزارة المال عبر سلفة من حساب الخزينة رقم 36، وهذا المبلغ مؤمن حتى آخر السنة، على ان يتم تقسيمه على 10 أشهر، اي نحو 150 مليار ليرة شهريا.
وفق إدارة الإحصاء المركزي فإن نسبة التضخم ارتفعت في العام 2022 الى نحو 171.21% مقارنة مع 154.8% في 2021 و84.9% في 2020 و 2.9% في 2019، وتاليا يتخوف الكثير من خبراء الاقتصاد أن ترتفع هذه النسبة أكثر مع وضع هذه الزيادات موضع التنفيذ. بيد أن مصادر وزارة المال أكدت أنه “لا يفترض أن تزيد هذه المبالغ نسبة التضخم في حال كان ثمة جباية صحيحة للضرائب والرسوم، خصوصا ايرادات الجمارك والـ TVA، كما أنه لن يؤثر على سعر صرف الدولار، اذا لم نلجأ الى مصرف لبنان لطباعة العملة بغية تمويلها”.
يفترض أن تخصص هذه الاموال للموظفين الذين يحضرون رسميا الى مقر عملهم، ولكن ليس خافيا أن الوساطة تلعب دورها في كل مرافق الدولة، إذ يمكن أن يخصص بدل الانتاجية لموظفين لا يحضرون أبدا، وهذا ما لم تنفه مصادر وزارة المال التي تؤكد ضرورة تفعيل الرقابة و”التدقيق في دوامات الموظفين من المديرين العامين ورؤساء الدوائر والمصالح مع تحميلهم كامل المسؤولية في هذا الاطار”.
مبلغ الـ 1500 مليار ليرة وضع بناء على عدد موظفي الادارات العامة، ولكن المصادر تؤكد أنه يمكن أن يصرف أقل، وفق حضور الموظفين وانتاجيتهم. اما التصور لآلية الدفع فستكون جاهزة خلال الايام المقبلة، علما أنه من الافكار التي طرحت أن يدفع عن كل يوم حضور لموظفي الفئة الخامسة 400 ألف ليرة والرابعة 500 ألف والثالثة 600 ألف والثانية 700 ألف ليرة وصولا الى 800 ألف ليرة للفئة الاولى”. وتوضح المصادر أن “التصور سيأخذ في الاعتبار عدد ايام الحضور، إذ لا نزال ندرس ما اذا كانت 4 أيام أو 5 أيام اسبوعيا، على ان يخصص 5 ليترات بنزين عن كل يوم حضور”.
المصادر أكدت ان المبلغ مخصص فقط لموظفي الادارة العامة، أما موظفي بقية القطاع العام، فيمكن أن يصار الى تشكيل لجنة فرعية لمناقشة موضوع الزيادات لهم في مرحلة لاحقة، علما أنه تم تخصيص 1050 مليار ليرة للقطاع التعليمي. والمعلوم أن مجلس الوزراء كان قد أقر سلفة الخزينة الأولى بقيمة 140 مليار ليرة كبدل تعويض إنتاجية لموظفي الإدارات العامة والعاملين في تعاونية موظفي الدولة عن شهري آب وأيلول 2022 في تموز 2022.
في حال عقد مجلس الوزراء جلسة له يوم الاثنين المقبل، سيقر آلية الصرف، ويفترض أن يبدأ العمل بالقرار بدءا من أول آذار، وفق ما تؤكد المصادر.
واكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر لـ”النهار” أن مجلس الوزراء خصص 1500 مليار ليرة للزيادات في الادارات العامة، علما أنه في البدء ثمة من أعد تقريرا بوجوب أن لا يتجاوز المبلغ الألف مليار ليرة، ومن ثم تم زيادته الى 1500 مليار لتوزيعه ضمن مبدأ الانتاجية بحيث تم تأليف لجنة برئاسة امين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكية لدراسة من يشملهم قرار بدل الانتاجية الذي ستكون له ضوابط عدة لتشمل العناصر المنتجة فقط.
أما عن كيفية التمويل، فأشار الى أنه كان يفترض أن يجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع حاكم مصرف لبنان لمعرفة مصدر تمويل هذه الاموال، ولكن الاجتماع تم تأجيله حتى اليوم للأسف.
وإذ لفت أن مبلغ الـ 200 ألف الذي أقر لبدل النقل لم يصدر في مرسوم حتى الآن، أكد أن المشاورات والمباحثات التي يجريها مع المعنيين لكي تشمل بدل الانتاجية أكبر عدد ممكن من القطاع العام مثل البلديات وموظفي المستشفيات وغيرهم لكي يكون القرار متكاملا ولا حاجة لاصدار ملحقفيه لاحقا.
المصدر : النهار