كتبت لبنى عويضة في “سكوبات عالمية“:
لم يسلم أيّ مَن كان مِن اللبنانيين من الأزمة التي إجتاحت الوطن. فبقرابة السنتين، لا تزال الليرة اللبنانية تتمرجح في السوق السوداء، صعوداً مخيفاً وهبوطاً هزيلاً ، وكاد سعر صرف الليرة أن يلامس الـ 25 ألف لكل دولار.
هذه الأزمة دفعت بالتجار لتسعير بضائعهم على الدولار لتدارك الخسائر التي قد تنجم عن إنهيار الليرة اللبنانية، كذلك على اعتبار أن معظم السلع الإستهلاكية يتم إستيرادها من الخارج، وهذا ما يترتب عليه تسديد الفواتير بالدولار الأميركي.
وما كان من هذه المشكلة إلا أن تلقي بثقلها على الشعب الذي لم تستكين مصائبه، فعبء الدفع دائماً ما يلقى على عاتقه، إلا أن الطامة الكبرى هي بتأثير ارتفاع الأسعار على المواطن، فهو مؤهل للتعوّد على كل شيء، إذ بعد أن أصبح مصروفه يفوق مدخوله بحوالي 500% لا يزال الشعب مخدراً ولا حياة لمن تنادي.
وبالعودة إلى مخدّر الدولة، فهذه المرّة وبالرغم من كافة التأجيل والمماطلة بعد طول انتظار، أطلقت البطاقة التمويلية مع شروط صعبة، إلا أن المطّلع على توقيت اطلاقها يظهر وكأنه ضمن خطة اللعبة الانتخابية التي لطالما اتحفنا بها السياسيين، فالمؤتمر الإعلامي أحدث بروباغندا وضجة كبرى، مع غياب موعد التنفيذ الفعلي لها، يرافق الأمر إنتهاء مهلة التسجيل في نهاية أيلول الحالي.
ويلاحظ أن التدقيق بالشروط التي تخوّل المواطن الإستفادة من هذه البطاقة، تحتاج لأشهر، فيما يسبق انطلاقتها بقضية رفع الدعم، وبالتالي مبلغ الـ25$ المقرر لكل فرد، سيصبح بلا قيمة. فكل الأسعار سترتفع بشكل مريب.
وفي ظل جشع اصحاب الصيدليات وأصحاب محطات الوقود والأفران… كان لا بد لأصحاب السوبر ماركت من منافستهم لهذا الجشع، وكأن لهم دوراً كبيراً بتفاقم مصائب اللبناني، فأولئك هم أول من بدأت ملامح الطمع تظهر عليهم، على أساس أن شراء البضائع يتم على الدولار، ولم يكتفِ التجار الجشعين بحد رفع أسعارهم وفقاً لدولار السوق السوداء، لا بل أنهم باتوا يضعون فارقاً أكبر أو بالأحرى أسعارهم باتت تسعّر أكثر من السوق السوداء، والحجة موجودة دائماً وهي الحفاظ على الرأسمال ومحاولة لتجنب أي خسائر.
وبعد حوالي شهر على تأرجح سعر صرف الدولار بين 18 و19 وحتى أنه وصل لـ16.000 ليرة، صمّ التجار آذانهم وبقيت بضائعهم مسعّرة على سعر 25.000 والجملة الشهيرة لهم “اشترينا عالغالي”.
بالنسبة للفِرق المعنية بمراقبة الأسعار والمرتبطة بوزارة الإقتصاد، فهي شبه غائبة كغيرها من اللجان المعنية بمكافحة الفساد.
لقد إستمرت السلطة اللبنانية بإعتماد سياسة “الترقيع” فلا رقابة ناجحة ولا بطاقة تموينية ستنجح طالما انه سيرافقها رفع الدعم المحتم، “اللهم” في حال أنها منحت للفقراء ومن هم بحاجتها، دون الإلتفاف على المحسوبيات وصبيان الأحزاب كما اعتدنا دائماً.
إن الفقر بدأ ينهش بلحم الفقراء أو حتى اللبنانيين بعد أن تحول 78% من الشعب إلى “الفقراء الجدد” حيث اجتاح الكساد الإقتصادي اللبناني، وبات الهم الوحيد هو تأمين القوت اليومي.
إذن بين طمع لا حدود له، وبين فقر يدق أبواب معظم اللبنانيين، يقف الجوع والعوز عاجزاً بين ناس لا يتمتعون بأدنى شكل من الإنسانية، وبين مواطنين ذنبهم أنهم ولدوا وعاشوا في دولة يتحكم بها وحوش على هيئة بشر.