بعدما حُرم المودعون من دولاراتهم، قرّر عدد من المصارف خفض سقف سحوبات الليرة في خطوة ستزيد وضع اللبنانيين الاقتصادي تعقيداً، لتزامنها مع تخطي معدل تضخم الأسعار السنوي حاجز 112% على أساس سنوي في تموز وتسجيل الدولار 8200 ليرة في السوق السوداء. المصارف تقول إنّ “الإجراءات مؤقتة” وتساهم في “تنظيم وضبط السوق”، إلاّ أنّ خبراء اقتصاديين يحذرون من بروز “سوقيْن” للعملة الوطنية، بحيث تفوق الليرة النقدية الليرة المودعة في المصارف قيمة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الأخبار” فإنّ “المركزي” يقول إنّه لا يمنع المصارف من سحب المبلغ الذي تُريد من الليرات الموجودة لديه “لكنّه أرسل إليها كتاباً يُحدّد فيه السقف الأعلى للسحوبات ممّا يُسمّى “الحساب الجاري”، تتراوح بين 2 مليار ليرة و5 مليارات ليرة شهرياً، تتفاوت بحسب حجم رأسمال المصرف. في السابق، كانت المصارف تحصل على ما تُريد من هذا الحساب. أما الآن، وفي حال أرادت المصارف الحصول على كمية أكبر من الليرات لتغطية طلبات زبائنها، فستُشطب كلّ زيادة إما من حسابات المصارف المُجمّدة لدى “المركزي” وكانت تحصل مقابلها على فوائد مرتفعة، أو من الديون التي أقرضتها لمصرف لبنان، أو من شهادات الإيداع”.
من جانبه، رأى مصرفي في حديث مع “ديلي ستار” أنّ سلامة يريد التوقف عن طباعة كميات كبيرة من العملة الورقية، بما يمنع التجار من استخدام فائض الأوراق النقدية لشراء الدولار من السوق السوداء. وقال المصرفي: “لست واثقاً من أنّ فكرته ستنجح”، محذراً من أنّ هذه القرار قد “يدفع التجار والمودعين إلى سحب كل أموالهم، وفي حال حصل ذلك، فستُضطر المصارف إلى فرض قيود أكثر تشدداً على سحوبات الليرة”.
وتشير الأرقام إلى أنّ “المركزي” زاد قيمة الليرات المتداولة بنسبة 125% ابتداء من مطلع العام 2020، أي أنّه ضخ 13 تريليون دولار في السوق في غضون 10 أشهر فقط، وهو ما يتخطى إجمالي الليرات المطبوعة من العام 1977 حتى نهاية 2019.
وتابع قزي: “حاول (سلامة) كخطوة أولى رفع الدعم عن المحروقات لكنه واجه معارضة شعبية واسعة، كما وقف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في وجهه”، مضيفاً: “قرر (دياب)، من وجهة نظره- وهذا مبرر إلى حدّ ما- عدم تحمّل ملامة إضافية على قرارات من هذا النوع، وترك الحكومة المقبلة تتحمّل العبء، لذا وقف في وجه خطة الحاكم. عندها سلك الحاكم طريقاً مختلفاً، فأجبر المستوردين الذي يستفيدون من الدعم على سعر دولار محدد عند 1515 ليرة على دفع ثمنه نقداً، أي ما يعادل نظرياً مليارات الدولارات”. وشرح قزي: “امتص هذا القرار الليرات كلها من السوق. وبالتالي، يخيّر الحاكم الناس بين الاستمرار في الحصول على الوقود بأسعار متدنية باستخدام ليراتهم المحدودة أو استخدامها لشراء سلع أخرى”، مضيفاً: “يرشّد (القرار) إنفاق الناس إلى حدّ ما. لذا، بدلاً من خفض قيمة الليرة وبالتالي خفض قدرة اللبنانيين العاديين الشرائية، من شأن وضع قيود على توافر الليرة أن يحقق الهدف نفسه”. واعتبر قزي أنّ المسألة تنطوي بشكل أساسي على استبدال السياسيات الحكومية بأدوات نقدية بهدف تحقيق التغيير السلوكي الذي ينشده سلامة لدى الناس وخفض الاستهلاك، وبالتالي تدفق الدولار إلى الخارج.
ولكن سرعان ما حذّر قزي من تداعيات خفض سقف السحوبات، قائلاً: “تشمل الآثار الجانبية استحداث تفاوت بين قيمة الليرة النقدية والليرة المصرفية (أسماها بيرة مستعيراً حرف الباء من “بنك”)، لذا لن أتفاجأ إذا ما بدأ التداول بالليرة عند 1.25 بيرة أو 1.5 بيرة”. بمعنى آخر، سيلاحظ اللبنانيون فرقاً بين قيمة الليرة المصرفية- التي يعجز المودع عن سحبها بسبب سقف السحوبات، والليرة النقدية، فتعادل كل ليرة نقدية 1.25 ليرة أو 1.5 ليرة مودعة في المصرف، مثلما يفوق الدولار النقدي الدولار المحجوز في المصرف قيمة.
سبق لقزي أن ابتكر مصطلح “لولار” للإشارة إلى الدولار المحجوز في المصارف. وكما “البيرة”، يُعتبر “اللولار” أقل قيمة من الدولار لعدم قدرة المودع على التصرف به.