الإثنين, أبريل 29, 2024
الرئيسيةأخبار محليةوطن كيبتاغون الأفندي

وطن كيبتاغون الأفندي

- Advertisement -

اليأس الوطني. غصَّةٌ تَحتَبِسُ دمعَة. عندَما تَدخلُ سِرداباً أو نَفقاً تُمَنّي النّفسَ أنَّ نوراً مِن فوهَةِ النّفَق ينتَظِرُك. تُؤمِنُ بِحتميَّة المخرَج. ما أن تُطلَّ برأسِكَ في نهايَة النّفق حتّى تُصادِف طَريقاً جديدة. لا بأس بعد ذلك أن تتسردَبَ الطرقات في وجهِك. أنتَ تَمتَلِك على الأقلّ أملاً بأنّ فوهَةً مضيئَة تلوِّح لَك في آخِر السّرداب. في بلادنا نحن الأقل حظّاً لا تنطبقُ الفوهةُ إلا على صيحةِ الشاعر إبراهيم ناجي: فإذا أمسى المساءُ انقلبتْ فوهةً شعواءَ تَرمي بالحممْ.

- Advertisement -

نحنُ نعيشُ في جمهوريَّة السّراديب. بينَ كلّ سِردابٍ وآخَر سِرداب. لا وجودَ للوقتِ المُستقطَع في هذه الجمهورية . للأَنفاقِ مهندسٌ اسمُه اليأسُ المُطلَق. هذا أفظَعُ وباءٍ يمكن أن يُصيبَ جمهوريَّة. مؤشّرٌ ليس للإعتلالِها فإحتلالِها من عدّوٍ خارِجي إنّما مِن دودٍ منها وفيها.

- Advertisement -

دولَتُنا أشبَه برَجُلٍ تيقَّنَ أنّه لَن يَعودَ مساءً إلى بيتِه ليتناولَ طعامَ العشاء فتحوّلَ إلى جثمانٍ وأكَلَ نفسَه. جمهوريَّةُ اليأس المطلق تحاصِرُنا. مِن سِردابٍ إلى سِرداب تَبدو لَنا الآفاق مقفَلَة بِطبقَة سميكَة من الفساد. لا عَجَب. بلادٌ يَؤولُ فيها الإصلاحُ إلى بياناتٍ صحفية تَماماً كَما يَؤولُ الماءُ إلى بُخار .

لا نَجِدُ مثل هذا الجِدار العازِل في أي بَلدٍ في العالَم. قدرَتُهُ على منعِ الإصلاح توازي قدرَةَ الواقي الذكَري على منع الإنجاب. يأسُنا إستِثنائي. إذا نَجَحنا وقتَلناه يوماً تناسَلَ كأذنابِ الأفاعي. في الولايات المتّحِدَة خَرَجَت ثورَةٌ بِأبيَضِها وملوَّنِها مِن حنجرَة جورج فلويد. سُمِعَ أنينُ فلويد كأنما مِن حنجرَة مارتن لوثر كينغ. ” لا أقوَى على التنفّس ” صارَت شِعاراً للخروج مِن الأَسر. أربَعونَ سَنَةَ حَبسٍ للشرطي ديريك شوفين طُرِحَت خلال محاكَمتِه. على الأقلّ هناك تهمَةٌ ومحكمَةٌ وَمُحاكَمَة. في بلَدِنا المّتهَمُ بَريءٌ حتى تثبُتَ إدانَةُ الضحيَّة. مَحاكِم تَعِدُنا بفتح ” الملف ” حتّى خَواتيمِه. لا يبقَى منه بعد أيام أو أسابيع سِوى السّرداب. المتَّهَم أقوَى مِن القاضي والسّجّانُ يَخافُ مِن السَّجين.

شيءٌ ما عَلى وَشك الحدوث. الناسُ في كلّ بلدان العالم يعرفون في قرارَة نفوسِهِم أنّ شيئاً ما على وَشك الحدوث كلّما احتَدَمتِ الأمور. يَنتَظرونَ ” الشيء “. أن تَنتَظِرَ شيئاً هوَ أن تعطي مَعنى للإنتِظار. القيامَة مثلاً مَعنى للمَوت. نحن اللبنانيين أشبَه بِكائِناتٍ جمّدتها عَصا ساحِرَةٍ شَمطاء. حوَّلَتْنا تَعويذَةُ الفَسادِ اللبنانيَّة إلى تَماثيل. جمَّدتْنا ونحنُ عَلى وضعيَّةِ آخِرِ فِعلٍ كنّا نَقومُ بِه. مِنّا مَن كانَ يَهُمُّ بشراءِ كَنبَة ومِنّا مَن فاجأته العَصا السحريَّة وهوَ يُدخِلُ بِطاقَة إئتِمان في فَمِ صرّافٍ آلي. كلُّ واحِدٍ مِنّا بِقيَ على الوضعيَّة التي تجمّدَ فيها. لا يحدثُ أيُّ شيءٍ في لبنان. نحنُ بكل بَساطَة نيامٌ. ربَّما إذا مُتنا انتَبَهنا.

مهمَّتُنا الوحيدَة أن نتصبَّبَ على العالَم. نحنُ خارِجَ العالَم. العالم يعالِجُ حَجرَه بالتي هيَ أحسَن. نحنُ نَتباهَى بأننا أحبَطنا تَهريب كيبتاغون في الليمون أفندي. أكيد. في لبنان لا يحدث شيء سِوى اللاشيء.

أفظَع ما يمكنُ أن تصادِفَه في جمهوريَّة اليأس هوَ وفرَة آلات التّصوير. ” سِيلفي ” مَع المُعوَزين والفقراء والبؤساء واستِعمالُهم مادّةً إعلانيَّة في تسويق شَهوة أهل السياسَة. فايسبوك يعجُّ بالفقراء مِن جِهة وبالكَذَبَة مِن جِهةٍ أخرَى. فايسبوك يشبِهُ قبورَ الفريسيين. يلمَعُ من الخارِج ويعجُّ بالديدانِ من الدّاخِل.

في ميديلين الكولومبيَّة وزَّعَت السّلطات ثلاثمئة وخمسينَ ألف وحدَة غِذائيَّة عَلى المَستورين في المَدينَة. طُلِبَ منهم فَقَط أن يزيِّنوا أبوابَ بيوتِهِم برباطٍ أحمَرلإتمامِ التوزيع. لا صُوَرًا ولا وجوهًا ولا أسماء. ميديلين في كولومبيا مهد مافيا المخدّرات ومسقِط رأس بابلو إسكوبار. عندنا ما زلنا مختلفين على لون البطاقة التمويليَّة. أصلاً في لبنان علبُ الوِحداتِ الغذائيَة تشبِهُ صناديق الإقتراع.

نسمَعُ في لبنان عَن ملفّاتٍ وأشخاصٍ وتُهَمٍ إستراتيجيَّة ومِلياراتٍ وسجونٍ سَتُفتَح وقُضاة وإستِدعاءات وتَوقيفات. نحسبُ أنّها ليلَة الدّخلَة وأنَّ خبَرَ الحَبَلِ الإصلاحي المفرِح سيعمُّ البلاد. نهرَعُ إلى سَرير المُجامَعَة في اليَوم التالي. نجدُ دَماً على شرشَفِ العرس. هوَ دَمُنا وقَد تمَّ سبيُنا واغتصابُنا جَماعيّاً. إذا حدَثَ أن شَرِبَ أحدهم حليب السّباع يتبيَّنُ لَنا لاحِقاً بأّنَّ العَروسَ هَرَبَت وبأنَّ العريس عاقِر. نصدِّقُ برغم السّرداب الذي نحنُ فيهِ أنّه سيتمُّ تَسليمنا بلداً أفضَلَ مما كانَ عليه. نحن شعبٌ نائِم. نَكتَفي بأقصوصَةٍ تَرويها لَنا جنيَّةُ النّوم. الوَطَن يتهيئ لنا عَلى شَكلِ حلم. ننساه ما إن نستَيقظ في اليَوم التالي.

– Advertisement –



– Advertisement –


قد يهمك أيضاً

– Advertisement –

مقالات ذات صلة

اضغط على الصورة لتحميل تطبيقنا للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

انضم الى قناتنا على الواتساب للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

انضم الآن الى قناتنا على التلغرام للوظائف

spot_img

انضم الى مجموعتنا على الفيس بوك

spot_img

أحدث المقالات

Translate »