راكيل عتيّق – الجمهورية
تتوالى الملفات الضاغطة على «حزب الله» من الداخل والخارج، فيما يواصل الثبات على مواقفه ودوره من دون أن تترك هذه الملفات أثراً عملياً على موقعه حتى الآن. وعلى رغم خطورة الخطوة الداخلية التي قام بها «الحزب» من خلال توجيه مسؤول التنسيق والارتباط وفيق صفا رسالة تهديد الى المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، إلّا أنّ هذه الخطوة قوبِلت بصمتٍ رسمي، ولم يظهر حتى الآن أي قرار من القضاء حيالها، فيما يواصل «الحزب» صمته التام عنها ويمتنع مسؤولوه عن التعليق عليها. كذلك مرّ استقدام «الحزب» المازوت الإيراني عبر سوريا في سلام من دون أي تداعيات أو عقوبات عليه أو على لبنان، بالتزامن مع ولادة الحكومة الجديدة، لا بل إنّه انعكسَ إيجاباً عليه، أقلّه عبر «الشكر» الذي لَقيه من مستفيدين من هذا المازوت في مختلف المناطق اللبنانية.
كذلك مرّ مرور الكرام كلام رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين «عن أنّ «الحزب» لم يَخض حتى الآن معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة فسيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر». إلّا ان بعض الجهات «السيادية» المعارضة وجدت في هذا الكلام «استهدافاً للجيش». وأتت زيارة وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان أخيراً للبنان ولقاؤه المسؤولين وتقديمه عروضَ مساعدات إيرانية عبر بوابتَي المرفأ والكهرباء، لتشكّل دعماً إضافياً لـ»الحزب».
وفيما يسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى «وصل ما انقطع في العلاقات مع العرب»، وخصوصاً مع السعودية، ويعمل الفرنسيون على ذلك أيضاً، بينما البوابة السعودية ما زالت مقفلة بسبب «حزب الله» كما تقول جهات مطّلعة، لا يَجد «الحزب» داعياً لإبداء حسن نية عبر أي خطوة إيجابية تجاه الدول الخليجية، ولا سيما منها السعودية، لا عبر التخفيف من المواقف الكلامية ولا من خلال بوابة اليمن أو سوريا. لا بل إنّه يصرّ على أنّ «هناك حصاراً مفروضاً على لبنان بقرار أميركي ينفذه بعض أنظمة الدول العربية». ويعتبر أنّ «الحكومة تعرف أي خطوات ستقوم بها في هذا الإطار، وعليها هي إجراء هذه الخطوات، ونحن نريد لهذه الحكومة أن تنجح، وأن تفتح علاقات مع كلّ الدول التي يُمكن أن يستفيد لبنان منها وفق الأولويات والضوابط اللبنانية».
ويعتبر أنّ القول إنّ استهدافه للسعودية هو سبب هذه العزلة هو «مجرد ذريعة تُستخدَم، فهم لديهم مشكلات مع أفرقاء لبنانيين آخرين غير «حزب الله» ونرى انعكاساتها ونتائجها، ولديهم حسابات مختلفة عن بعض الأفرقاء اللبنانيين، واتخذوا قراراً يتحمّلون هم مسؤوليته، والذرائع كلّها واهية لها علاقة بحسابات أميركية، كذلك الحصار على لبنان مرتبط بحسابات واشنطن وهي مفروضة حتى على كثير من الدول العربية». ويسأل: «هل المطلوب من اللبنانيين أن يكمّوا أفواههم عن أي ممارسة في الخارج حتى يبني الآخرون علاقاتهم؟ وهل ممنوع على أي أحد في لبنان أن ينتقد موقفاً؟ هل هذا لبنان الحريات وحرية التعبير؟ لبنان الذي يتحدث فيه أيّ كان عن أي دولة، إن على سوريا أو إيران، لكن ممنوع انتقاد السعودية منه؟».
أمّا تدريب الحوثيين ودعمهم واستهداف السعودية من الخاصرة اليمنية فضلاً عن شحنات المخدرات من لبنان، فهي بالنسبة الى «حزب الله» اتهامات لا يعلّق عليها كالاتهامات الكثيرة التي توجّه إليه. ويشير الى أنه «على رغم كلّ حملة الانتقاد لسوريا على مرّ سنوات، ها هي تتجاوب الآن مع لبنان وتساعده في أزمته عبر إمرار الغاز والكهرباء إليه من أراضيها، ولم تأخذ موقفاً من كلّ الهجمة التي طاولتها، بل فتحت الأبواب لهذا البلد».
في المقابل، تعتبر مصادر معارضة أنّ سوريا «ستقبض ثمن إمرار الغاز الى لبنان عبر إثباتها حاجة لبنان إليها، كذلك عربياً ودولياً». وإذ يرى كثيرون أن لا حصار مفروضا على لبنان بل على إيران وبالتالي أذرعها في المنطقة و»حزب الله» أحدها، والدليل على ذلك، مؤتمرات الدعم الدولية والمساعدات المقدّمة الى الشعب اللبناني والجيش من غالبية الدول الغربية وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية وبمليارات الدولارات، فضلاً عن التحويلات الى لبنان من المغتربين وغيرهم بالدولار، يعتبر «حزب الله» أنّ «الحصار لا يكون عبر البوارج فقط»، ويسأل «الحزب»: «ماذا عن قانون قيصر، وهل هو بسببنا أو أنّ الأميركيين أقرّوه لمحصارة لبنان وسوريا؟ فممنوع أن يساهم لبنان في سوريا، هل هذا حصار أم لا؟ وهل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعطيان أموالاً بلا قرار أميركي؟ وماذا عن منع الدول من مساعدة لبنان، وعن تقلّص تحويلات المغتربين، فهل يمكن المغترب أن يحوّل أموالاً الى البلد كالسابق، علماً أنّه بحسب القوانين التي أقرّت عام 2015 بطلب من الأميركيين، ممنوع على أي شخص يدخل الى لبنان أن يحمل أكثر من 10 آلاف دولار؟ وهل يجرؤ المغترب على أن يحوّل أمواله الى لبنان كالسابق، في ظلّ التدقيق من المصارف؟».
لكن في الواقع هناك مسعى أميركي الى استثناء إمداد لبنان بالغاز والكهرباء من سوريا من «قانون قيصر»، إلّا أنّ «حزب الله» يعتبر أنّ «هذا نتيجة المازوت الإيراني وليس من كرم أخلاقهم».
أمّا على صعيد استقدام «الحزب» مادتي المازوت والبنزين من إيران، فبرز أمس إعلان عبد اللهيان «أنّنا مستمرّون في إرسال المشتقات النفطية الى لبنان»، آملاً في أن «يكون مستقبلاً في إطار اتفاقيات بروتوكولية بين البلدين. فهل سيُصبح استيراد «حزب الله» للمحروقات من إيران أمرا واقعا ومستمرّا؟ وهل يكون مفتوحاً زمنياً ودائماً؟ هذا الأمر، بالنسبة الى «الحزب» مرتبط بالحاجة في لبنان، ويدعو الى أن «تفتح الدولة اللبنانية خطاً للتفاوض مع إيران لاستيراد المحروقات وبالليرة اللبنانية، لكنها لم تتجرأ على هذا الموضوع نتيجة الخوف من العقوبات ولم تذهب الى هذا الخيار، فلجأنا إليه نحن ونرى النتائج على مستوى تخفيف حدة الأزمة في لبنان، وهذا هو الهدف».
لكن ماذا عن العقوبات في حال الاستيراد من إيران من دولة الى دولة؟ يجيب «الحزب» عن السؤال بسؤال: «هل الأفضل أن نبقى من دون بنزين ومازوت؟ وأن تبقى طوابير الذل؟»، مشيراً الى أنّه «مع حلّ المشكلة بأي طريقة تخفّف من حدة الأزمة على الناس». لكن الطوابير أمام محطات المحروقات اختفت مع رفع الدعم، فهل هناك من داع لاستمرار استيراد المحروقات من إيران؟ يشير «الحزب» الى أنّه «يدرس الوضع وبحسب الحاجة وإذا انتهت الأزمة يقوّم هذا الموضوع».