مئة الف ليرة
مئة الف ليرة

لماذا تنهار الليرة اللبنانية؟

تتنوّع التحليلات التي تحاول مقاربة العوامل التي تتحكّم بسعر صرف الليرة اللبنانيّة، في ظل انفلات الأزمة الماليّة الخانقة بعيداً عن أي تصوّر أو خطّة رسميّة حكوميّة للمعالجة، لا بل ودون وجود أي حكومة مكتملة الصلاحيّة قادرة على التعامل بجديّة مع تداعيات الانهيار الحاصل.

 

لكنّ الأكيد حتّى اللحظة، هو أن توسّع المصرف المركزي والسلطة منذ حصول الانهيار المالي في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019 في سياسة خلق النقد بالعملة المحليّة، للتعامل مع بعض جوانب الأزمة، لعب دوراً أساسياً في دفع الليرة اللبنانيّة إلى الانهيار الذي نشهده اليوم.

كما ساهمت بعض إجراءات القطاع المصرفي التي جاءت استجابة لتعاميم المصرف المركزي بالضغط على سعر صرف الليرة، من خلال تجفيف السوق المحليّة من العملة الصعبة. وبهذا المعنى، فما نراه اليوم من انهيار في سعر الصرف لم يعد يعبّر عن نتائج مباشرة للأزمة نفسها، بل عن نتائج بعض المعالجات التي اختار لبنان الذهاب إليها.

 

فلبنان أعلن منذ شهر آذار/مارس من العام الماضي امتناعه عن سداد سندات اليوروبوند، أي سندات الدين العام المقومة بالعملة الصعبة.

 

 

وفي حين كان من المتوقّع أن تبادر الحكومة اللبنانيّة منذ ذلك الوقت إلى التفاوض على جميع ديونها لإعادة هيكلتها وفق آجال وقيم وفوائد جديدة، بما فيها تلك التي تستحق بالعملة المحليّة، يبدو أن المصرف المركزي والحكومة السابقة قررا الاستمرار في سداد سندات الدين العام المستحقة بالليرة اللبنانيّة، لمصلحة المصارف المحليّة.

 

وبوجود العجز الكبير في ميزانيّة الدولة، ومع غياب أي مصدر لإقراض الدولة، قرر مصرف لبنان أن يقوم بنفسه بإقراض الدولة لسداد سندات الدين، عبر التوسّع في خلق النقد بالليرة اللبنانيّة، أي عبر ما يعرف بتسييل الدين العام.

 

نظرة سريعة على ميزانيات المصارف التجاريّة المجمّعة تظهر أن المصارف تمكنت حتى نهاية العام الماضي من تقليص محفظة سندات الدين العام التي تملكها بنحو 6.98 آلاف مليار ليرة لبنانيّة، مقارنة بمحفظة السندات التي كانت تملكها في أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، وهو انخفاض جرى تحديداً من خلال خلق النقد من قبل مصرف لبنان لتمكين الدولة من سداد ديونها للمصارف.

 

مع العلم أن هذا النوع من العمليات يعني عملياً نقل مديونيّة الدولة بالليرة تدريجيّاً من محفظة المصارف إلى محفظة مصرف لبنان، مع ما يعنيه ذلك من فرض لأمر واقع جديد يمنع الدولة من التفاوض على ديونها مع المصارف في المستقبل.

 

في الوقت نفسه، توقّعت مؤسسة التمويل الدوليّة أن يكون العجز في الميزانيّة العامّة قد تجاوز حدود الـ8% من إجمالي الناتج المحلّي في نهاية السنة الماضية.

 

وبغياب أي مصدر للإقراض أيضاً، ومع تراجع واردات الدولة نتيجة تردي الظروف الاقتصاديّة وتراجع قيمة العملة المحليّة، تستمر الدولة اللبنانيّة اليوم بالاعتماد على المصرف المركزي عبر خلق النقد أيضاً لإقراضها وتمويل الفجوة في الميزانيّة العامّة.

 

مع العلم أن الدولة تنفق منذ بداية السنة دون وجود أي موازنة عامّة تحدد وتحصر سقوف الاعتمادات وفقاً لمقتضيات المرحلة، بل تستمر بالعمل من دون إقرار أي موازنة عبر ما يُعرف بقاعدة الإثني عشريّة، التي تقضي بالاستمرار بالإنفاق وفق سقوف شهريّة متناسبة مع موازنة العام الماضي.

 

وبموازاة ذلك، أصدر مصرف لبنان خلال الفترة الماضية مجموعة من التعاميم الذي نظمت ما بات يُعرف محلياً بعملية إعادة رسملة المصارف.

 

وفي حين طلب المصرف المركزي من المصارف المحليّة تكوين سيولة جاهزة بالعملة الصعبة في المصارف المراسلة بنسبة 3% من إجمالي الودائع الموجودة لديها بالعملات الأجنبيّة، لم تفرض التعاميم أي قيود على المصارف المحليّة من جهة مصدر تكوين هذه السيولة.

 

وهكذا، توسّعت المصارف بابتداع طرق مختلفة لامتصاص العملة الصعبة من السوق المحليّة، عبر توفير عروض للمقترضين تقضي بإعفائهم من نسبة تتجاوز الـ70% من أصل قيمة قروضهم، مقابل تأمين قيمة قروضهم بالدولار النقدي، أو عبر بيع ما بات يُعرف بالدولار المحلّي، أي الدولار العالق في النظام المصرفي، مقابل الحصول على الدولارات النقديّة.

 

ومن الناحية العمليّة، ساهمت كل هذه الخطوات في تسهيل عمليّة حصول المصارف على الدولارات المطلوبة للامتثال لشروط مصرف لبنان، ولكن على حساب السيولة المتوفّرة بيد اللبنانيين بالعملة الصعبة.

 

وبدل أن تؤدّي عمليّة إعادة الرسملة إلى ضخ الدولارات في النظام المصرفي من الخارج، عبر استقدام سيولة جديدة كما سوّق مصرف لبنان هذه العمليّة، كانت النتيجة سحب السيولة من السوق الموازية لإيداعها في حسابات المصارف في الخارج.

 

وبالإضافة إلى كل ذلك، ساهمت سياسة سداد الودائع المدولرة بالعملة المحليّة التي اعتمدها مصرف لبنان، لمعالجة مسألة تعثّر المصارف في سداد التزاماتها للمودعين، في تعميق أزمة الليرة.

 

فالنتيجة البديهيّة لهذا النوع من العمليات كانت ضخ كميات ضخمة من السيولة بالعملة المحليّة شهريّاً في السوق المحليّة، مع حجب الدولارات النقديّة عن أصحاب الودائع.

 

مع العلم أن الودائع بالعملات الأجنبيّة المتبقية في المصارف اللبنانيّة تتجاوز قيمتها الـ110 مليارات دولار، في حين أن الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة اللبنانيّة خارج المصرف المركزي لا تتجاوز قيمتها الـ2.6 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الفعلي اليوم.

 

في الخلاصة، كل ما سبق ليس سوى نتيجة الاستمرار باعتماد المعالجات المتفرّقة لكل إشكاليّة على حدة، عوضاً عن البحث عن خطة ماليّة شاملة تعيد الانتظام إلى القطاع المالي، وإلى ماليّة الدولة، ومن ثم إلى سوق القطع وسعر صرف الليرة.

 

أما السبب الأساسي الذي أعاق الوصول إلى هذه الخطة كما بات معروفاً، فلم يكن سوى تناقض شروط الحل مع الفئات المهيمنة في النظامين المالي والسياسي، وهي الفئات التي أعاقت أبسط الإصلاحات المطلوبة للخروج من نفق الانهيار، بدايةً من الاعتراف بخسائر القطاع المالي ومعالجتها.

عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

سعر الذهب اليوم، أسعار الذهب، توقعات أسعار الذهب، تحليل الذهب اليوم، سعر جرام الذهب، أسعار الذهب في السوق، تداول الذهب، استثمار الذهب، سعر الذهب في مصر، سعر الذهب في السعودية، سعر الذهب في الخليج، أخبار الذهب، الذهب مقابل الدولار، أسعار الذهب العالمية، أسعار الذهب الفورية، شراء الذهب، بيع الذهب، سعر الذهب عيار 21، سعر الذهب عيار 24، سعر الذهب اليوم في البورصة، أسعار الذهب في الأسواق العالمية، استراتيجيات الاستثمار في الذهب، تحليل أسعار الذهب، أسعار الذهب في البورصة العالمية، مؤشر أسعار الذهب، توقعات الذهب، الذهب في السوق العالمية، أسباب ارتفاع أسعار الذهب، استقرار أسعار الذهب، سعر الذهب في السوق اليوم، الذهب عيار 18، أسعار الذهب والفضة، تجارة الذهب، الذهب الملاذ الآمن، شراء الذهب عبر الإنترنت، سعر الأونصة الذهب، أسعار الذهب في محلات الصاغة، أسعار الذهب في البورصة المصرية، تحليل فني لسعر الذهب، اتجاهات أسعار الذهب، سعر الذهب في دبي، سعر الذهب في الكويت، توقعات أسعار الذهب في 2024، أسباب انخفاض سعر الذهب، العوامل المؤثرة على أسعار الذهب، تداول الذهب عبر الإنترنت، سوق الذهب اليوم، الذهب عيار 14، أسعار الذهب التاريخية، أسعار الذهب اليوم بالدولار، تحليل أسواق الذهب، شراء الذهب كاستثمار، أفضل وقت لشراء الذهب، توقعات الذهب المستقبلية، أسعار سبائك الذهب، سعر كيلو الذهب، سعر الذهب في لندن، أخبار أسعار الذهب، اتجاه الذهب اليوم، أسعار الذهب في الهند، توقعات أسعار الذهب العالمية، أفضل شركات تداول الذهب، تداول الذهب في البورصة، التداول الإلكتروني للذهب، سعر الذهب في السوق السوداء، أسعار الذهب في محلات المجوهرات، التغيرات في أسعار الذهب، استراتيجيات تداول الذهب، سعر الذهب عيار 22، مستقبل سعر الذهب، أسعار الذهب اليوم في مصر، أسعار الذهب في الشرق الأوسط، مؤشرات أسعار الذهب، شراء الذهب في الخليج، سعر الذهب في السوق العالمية، اتجاه أسعار الذهب، تحديث أسعار الذهب اليوم، توقعات الذهب في 2024، استثمار الذهب في البنوك، سعر الذهب في السوق السعودية، سعر الذهب في مصر الآن، أسعار الذهب في الصين، الذهب والاقتصاد العالمي، تحليل سوق الذهب العالمي، استثمار الذهب في البورصة، سعر الذهب في الأسواق الناشئة، أسعار الذهب في قطر، سعر الذهب اليوم في الأردن، توقعات أسعار الذهب اليومية، سعر الذهب في السوق المصرية، أسعار الذهب في الأسواق الخليجية، سعر الذهب اليوم في الجزائر، تجارة الذهب في الشرق الأوسط، سعر الذهب اليوم في الإمارات، سعر الذهب في السوق العمانية، تحديثات سوق الذهب، التحليل الفني للذهب، سعر الذهب في السوق العراقية، تأثير أسعار الذهب على الاقتصاد، سعر الذهب اليوم في السوق السوداء، gold price today، gold prices، gold price forecast، gold analysis، gold investment، gold trading، current gold price، gold rate، gold price in USA، gold market، gold price per gram، buy gold online، sell gold، gold price per ounce، gold price per kilo، gold futures، gold ETF، gold price news، gold price live، gold price in Europe، gold price prediction، gold rate today، best gold investment، gold market trends، gold price historical، gold spot price، gold price updates، gold bullion price، gold vs dollar، gold price in Asia، global gold prices، gold market analysis، gold investment strategies، online gold trading، gold price in Middle East، future of gold prices، gold price in London، gold price trends، gold market updates، gold price in the stock market، gold price in China، impact of gold prices on the economy، gold price in emerging markets، global gold market، gold price fluctuations، gold price predictions 2024، gold price in UAE، gold price in India، gold price today USA، investing in gold ETFs، physical gold investment، trading gold futures، price of gold per gram today، buy gold as an investment، current price of gold per gram، buy gold bars، gold price chart، gold market price، gold price in Saudi Arabia، gold price in Dubai، price of gold in GCC، global impact of gold prices، real-time gold prices،أسعار الذهب, Gold prices, توقعات أسعار الذهب, Gold price forecast, ارتفاع الذهب, Gold increase, الذهب والعوائد, Gold yields, تداول الذهب, Gold trading, بيانات التضخم الأمريكية, US inflation data, تأثير الدولار على الذهب, Dollar impact on gold, أسعار الذهب اليوم, Gold prices today, تحليل أسعار الذهب, Gold price analysis, استثمار الذهب, Investing in gold, الذهب كملاذ آمن, Gold as a safe haven, العقود الآجلة للذهب, Gold futures contracts, أسعار المعادن النفيسة,

إرتفاع صاروخي جديد بتحديث اسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للذهب لحظة بلحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *