هل تُنقِذ البورصة أموال المودعين؟

خلال زيارته للبنان في العام 2001، حذّرَ بيل ويليامس، رئيس لجنة الرقابة على المصارف الأميركية، من خطر افتقاد الإقتصاد اللبناني الى إطار الأمان قائلاً: «انّكم تسيرون على إطارٍ واحدٍ وهو القطاع المصرفي، وتفتقدون الى إطار الأمان وهو الأسواق المالية. وبالتالي يوم تسقط المصارف لن تجدوا أسواقاً مالية فاعلة لتكمل السير باقتصادكم، وستسقطون سقوطاً مريعاً».
يومها كنت أشغل منصب رئيس بورصة بيروت، وعملت جاهداً على إقناع المسؤولين بأنّ البورصة لا يمكن لها أن تعيش على الفتات الذي يسقط من مائدة المصارف. فسياسة الفوائد المرتفعة والإحجام عن الخصخصة وتداول سندات الخزينة خارج البورصة، وتوجيه الشركات للاستدانة من القطاع المصرفي حصراً دون تكوين رأسمالها عبر اكتتابات تُطرَحُ في البورصة، كانت تحول دون تأمين إطار الأمان. عوضاً عن ذلك، كان الإصرار على النفخ في إطار المصارف حتى إنتفخ الإطار وانفجر.

كثر الكلام عن مشاريع الخصخصة ما بين العامين 2000 و2004، فتمّ وضع عددٍ من التشريعات المتعلقة بها، وكان الإهمال لدور البورصة جلياً. ولما اعترضتُ كرئيس لبورصة بيروت في ذلك الحين، مستنداً الى دراسات ناقشها الاتحاد العالمي للبورصات، عن دور الخصخصة في النهوض بكبرى بورصات العالم، وتعميم ثقافة الاستثمار على المواطنين، جوبهت بجواب فحواه: «لو أعطينا لشركة ما حصرية الإستثمار في كهرباء لبنان من خارج البورصة لحصَّلنا ثمناً اعلى مما لو طرحناها في بورصة بيروت». علماً أنّ اقتراحي كان بأن يشارك الشعب اللبناني بـ 49% من خصخصة كهرباء لبنان عبر بورصة بيروت، فيما تؤول الإدارة ونسبة 51% الى شريكٍ استراتيجي أجنبي.

طبعاً لم يؤخذ بإقتراحي في حينه، لتبقى أموال الشعب نائمة في المصارف تغذّي الدين العام، وليتصارع السياسيون على حصص الخصخصة، فتطوى صفحتها ونصل الى ما وصلنا اليه من خسائر.

واذكر أيضاً، انّ المصارف كانت تُثني الشركات عن الإدراج في البورصة، مقترحة عليها التسليفات بدلاً من اللجوء إلى البورصة. لقد عملت جاهداً في احدى المرات على إقناع كبير المساهمين في شركة لبنانية ذات امتدادات اقليمية، بإدراج شركته في البورصة، وكان في صدد تقديم طلب الإدراج، حتى أتاه أحد المصرفيين ليثنيه قائلاً: «لماذا الإدراج في البورصة، أنا أؤمّن لك التمويل اللازم عبر المصرف، فلا حاجة بك للإدراج».

أما سندات الخزينة، فقد عانينا الأمرّين حتى تمّ إدراجها في بورصة بيروت؛ الّا أنّ المصارف أصرّت على التداول بها حصرياً في ما بينها.

وأروي الحادثة التالية: في أحد الأيام فوجئت بأمر بيع لعدد من سندات الخزينة ظَهَرَ على شاشة التداول أمامي، واعتقدت للحظات أنّ المصارف اقتنعت بأنّ التداول بسندات الخزينة على الملأ وبالشفافية التي تؤمّنها البورصة هو الخيار الصائب. وكم خاب ظني عندما تمّ سحب أمر التداول بعد دقائق قليلة، ليفيدني صاحب أمر البيع بأنّ احد المصارف الناشطة في مجال سندات الخزينة عرض عليه شراء سنداته بأي سعر يقترحه دون قيد، ولكن بشرط واحد، وهو سحب أمر البيع عن شاشة البورصة، منعاً لكشف هامش التسعير الواسع التي كانت تستفيد منه المصارف.

وها انّ المودعين يتهافتون اليوم على شراء أسهم شركة واحدة غير مصرفية مدرجة في البورصة للهروب من القطاع المصرفي، رغم مخاطر الاستثمار في الأسهم. نعم أصبحت شركة «سوليدير» ملاذاً للمودعين الذين يتهافتون على أسهمها اليوم، كقارب نجاة بعد غرق «تيتانيك» المصارف. ولكن، وإن كانت القيمة السوقية لشركة «سوليدير» تقارب المليارين وخمسماية مليون دولار، إلّا أنّها تتوزع على أسهم معظمها مملوكة من مجموعات كبيرة متمسكة بها، ما يجعل عدد الأسهم المتاحة للتداول قليلاً جداً.

فما هي حسنات ومخاطر الاستثمار في أسهم شركة «سوليدير»:

الحسنات:

– قامت شركة «سوليدير» أخيرا ببيع عقارات مكّنتها من تسديد الجزء الأكبر من ديونها.

– إعادة هيكلة الإدارة والتقشف في المصاريف، لعبا دوراً ايجابياً في تحسين الوضعية المالية للشركة.

– المساهمون الجدد لم يدخلوا أخيراً ليتخارجوا من مساهماتهم بفترة وجيزة أو أقله قبل تحقيق أرباح كبيرة على سعر أسهمهم.

– الاستثمار في أسهم الشركات المدرجة في البورصة مفتوح لرؤوس الأموال مهما صغر حجمها.

– امكانية تسييل الأسهم شبه فورية لصغار المساهمين. كما أنّها يمكن أن تكون جزئية بحسب الحاجة إلى السيولة.

– مع منع التحاويل إلى الخارج انتفت إمكانية شراء أسهم الشركات العالمية وانحصرت ببورصة بيروت.

– التحليلان الأساسي والفني يعطيان مؤشرات إيجابية تجاه الشركة.

– تمسّك حاملي الأسهم بها، لأنّ أي تسييل لمساهماتهم يعني عودة مدخراتهم إلى آتون الحسابات المصرفية من جديد.

السيئات:

– إنّ أداء الأسهم العقارية يبقى مرهوناً بنجاح أو فشل إدارة الشركة، فيما امتلاك عقار بطريقة مباشرة يجعلك سيداً وحيداً على استثمارك.

– امكانية التلاعب بسعر السهم من قِبل كبار المضاربين تبقى احتمالاً وارداً.

– إنّ الإداء السابق للشركة ما زال عالقاً في ذهن اللبنانيين.

– الجدل السياسي حول الشركة يبقى عائقاً امامها، كما انّ موقعها في صلب التظاهرات له سلبيات جمَّة.

وبناءً على ما سبق اطرح الأسئلة التالية؟

– كانت «سوليدير» سابقاً الشركة الأكثر تأثراً بالأحداث الأمنية والسياسية، أما الآن فنرى سعر السهم يرتفع في اليوم نفسه الذي تُحرق فيه المحال التجارية في وسط بيروت وينفجر المرفأ. هل لأنّ سهم «سوليدير» أصبح أكثر ارتباطاً بارتفاع سعر الدولار منه بالأحداث؟

– هل سيتعامل حاملو أسهم «سوليدير» مستقبلاً مع طالبي الشراء كمالكي العقارات حالياً، فيحتسبون سعر السهم بحسب سعر الدولار في السوق السوداء؟

– هل من باب الصدفة أنّه بعد استنفاد كافة الحلول تصدر التعاميم حول مساهمة المودعين بأسهم المصارف عبر البورصة، أو تطالب المصارف بخلق صندوق يجمع ممتلكات الدولة، تُطرح أسهمه في البورصة؟

– صدر قانون الاسواق المالية في العام 2011 بعد مخاض دام 14 عاماً واقرَّ خصخصة بورصة بيروت خلال عام من صدوره، ثم عدنا وانتظرنا حتى العام 2017 لاصدار المرسوم المتعلق بخصخصتها. أو تعلمون أنّ خصخصة بورصة بيروت ما زالت عالقة تنتظر تعيين عضوين مؤقتين لمهمة مدّتها لا تتعدّى السنة الواحدة؟ لماذا؟

– هل كان علينا انتظار خراب البصرة لنتذكر إطار الأمان الذي تحدث عنه بيل وليامس؟

التجربة المصرية بين عامي 2016 و2018 تخبرنا بأنّ الارتفاع الحاد في سعر الدولار مقابل الجنيه المصري وفقدانه من الأسواق، ترافق مع ارتفاع حاد مماثل بمؤشر البورصة المصرية. وهنا أرى الأزمة المالية في لبنان تطل علينا لتقول: البورصة والعقار من أمامكم والمصارف من ورائكم، فتمسكوا بإطار الأمان ولو متأخّرين.

Ads Here


عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

إليكم أسعار المحروقات اليوم ↑↓

أسعار المحروقات في لبنان اليوم أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للمحروقات لحظة بلحظة Ads …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *