حزب الله يحدّد سقف الهدنة.. ويرسم حدود التفاوض
تفاصيل القضية:
في المشهد السياسي الراهن، تتعامل بعض العواصم مع وقف إطلاق النار وكأنه فرصة لإعادة فتح ملفات داخلية في لبنان. ورغم أن هذا القرار كان يُعتبر نتيجة لتوازن فرضته المواجهة، حاول بعض الوسطاء تحويله إلى مدخل للبحث في دور المقاومة في لبنان. تحت شعار “دعم الاستقرار”، كانت نوايا هذه الأفكار تنطوي على محاولة اختبار قابلية لبنان للتنازل عن عناصر القوة التي حافظت على حدوده. وبذلك، تحول النقاش من كيفية تثبيت وقف النار إلى محاولة ربطه بمكاسب سياسية كان يفترض أن تُنتزع عسكريًا، لكن فشلت إسرائيل في تحقيقها.
إعادة ضبط اللعبة السياسية:
وفي هذه اللحظة، جاء بيان “حزب الله” ليعيد ضبط النقاش ويحدّد حدود اللعبة السياسية. قدّم “حزب الله” تفسيرًا واضحًا لمفهوم التفاوض وحدوده، حيث أكّد على أن قبولهم بمسار التفاوض غير المباشر يجب أن يتمّ عبر وسيط تديره الدولة، بشرط أن يتمّ أولاً إنهاء الأعمال العدائية. وبهذا، لا يُعتبر التفاوض عملية سياسية تهدف إلى مناقشة مستقبل السلاح أو موقع المقاومة في لبنان، بل هو آلية تقنية تهدف إلى ضمان تنفيذ وقف النار ومنع الخروقات المستقبلية.
رفض النقاش السياسي حول السلاح:
أما بالنسبة لمسألة التفاوض وحدوده، فقد أبدى “حزب الله” استعدادًا لمناقشة التفاصيل التقنية عبر وسيط، لكنه رفض تحويل هذا المسار إلى تفاوض سياسي يتناول موقعه داخل الدولة أو دوره في حماية الحدود. وبالتالي، تمسك “حزب الله” بآلية غير مباشرة ذات طابع إجرائي، تبدأ فقط بعد وقف كامل للأعمال العدائية. هذه الآلية لا تقوم مقام طاولة حوار ولا تشبه المحادثات السياسية، بل هي وسيلة لضمان تنفيذ الالتزامات وتثبيت الهدنة.
رسالة واضحة للوسطاء:
من خلال بيانه، أرسل “حزب الله” رسالة واضحة للوسطاء، خصوصًا للقاهرة. فقد اعتبر الحزب أن بعض المقاربات الدبلوماسية تستخدم وقف إطلاق النار كفرصة لإطلاق عملية مقايضة مقنّعة تحت عنوان “التسوية”، إذ حاولت ربط التهدئة بمناقشات حول السلاح وموقعه داخل الدولة. بالنسبة لـ “حزب الله”، كان هذا تكرارًا للورقة التي قدمها المبعوث الأمريكي توم برّاك، والتي كانت تهدف إلى استخدام الهدنة كوسيلة لانتزاع مكاسب سياسية لم تتحقق عسكريًا. ولذلك، جاء الرد سريعًا، حيث أكّد “حزب الله” أن أي محاولة لتحويل الهدنة إلى ورقة ضغط على لبنان لن تجد طريقها إلى التنفيذ.
دور الجيش اللبناني في تثبيت حضور الدولة:
في هذا السياق، كان للجيش اللبناني دور حاسم في إعادة تثبيت حضور الدولة في الجنوب. هذا الانتشار العسكري سحب الذريعة التي استخدمتها إسرائيل طوال سنوات للاتهام أو التصعيد، ومع تراجع تلك الذريعة، أصبح الحديث عن وجود السلاح في المنطقة بلا أساس عملي، إذ تجاوز الواقع الميداني تلك الذرائع.
إعادة تحديد موقع السلاح في التفاوض:
من خلال هذا البيان، أعاد “حزب الله” تحديد موقع السلاح داخل معادلة التفاوض، حيث لم يعد السلاح بندًا مطروحًا للنقاش، بل تحول إلى عنصر يحدد حدود النقاش نفسه ويمنع تجاوزها. وبذلك، أصبح السلاح عنصر حماية يضمن ألا تُفرض شروط على لبنان أو يُبتزّ تحت عنوان الهدنة.
التوازن الحاصل وتداعياته:
تبيّن أن ما تحقق على الأرض لم يكن تنازلًا من لبنان، بل نتيجة قوة قائمة، مع تثبيت هذا التوازن. لذلك، فإن أي محاولة لاستخدام الهدنة كورقة ضغط على الداخل محكومة بالفشل. فالحزب لا يساوم على موقعه ولا يقايض عناصر القوة التي تحمي لبنان. التراجع أمام الضغط لا يوقفه بل يدفعه إلى التصاعد، بينما التمسك بالثوابت هو ما يرسم الحدود ويحدد قواعد اللعبة.
الخلاصة:
في النهاية، لم يكن بيان “حزب الله” انتقالًا إلى مرحلة جديدة بقدر ما كان تثبيتًا لحدود النقاش بعد وقف إطلاق النار. أكد الحزب أنه ليس خارج الدولة ولا يبحث عن المواجهة، لكنه في الوقت نفسه يرفض أن تتحول لحظة وقف إطلاق النار إلى فرصة لانتزاع ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه بالقوة. وانطلاقًا من ذلك، يصبح أي حديث عن إعادة انتشار أو تنظيم جزءًا من قرار الدولة وخطتها الأمنية، ولا يمكن تقديمه كتنازل مجاني أو مقابل وعود.
المصدر: جاد الحاج – لبنان 24
International Scopes – سكوبات عالمية إجعل موقعنا خيارك ومصدرك الأنسب للأخبار المحلية والعربية والعالمية على أنواعها بالإضافة الى نشر مجموعة لا بأس بها من الوظائف الشاغرة في لبنان والشرق الأوسط والعالم