في العام 1997، تأسس مطمر الناعمة في منطقة الناعمة الواقعة في جبل لبنان كحل مؤقت للنفايات، لكنه ما لبث ان تحوّل الى مكب دائم حيث استمر في استقبال القمامة على مدار السنوات الماضية دون الالتزام بالمعايير البيئية.
ومن هنا تزايدت المشاكل الصحية المرتبطة بهذا المطمر بشكل كبير، فتضاعفت نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية والربو والحساسية للسكان المحليين والبيئة المحيطة، والسبب في ذلك يعود الى تخزين النفايات بطرق عشوائية وغير مناسبة، مما أدى الى تسرب السموم والمواد الكيميائية الى البيئة الخارجية وتلوث المناخ والتربة وحتى المياه الجوفية.
لم تقف المشكلة عند حدود المرض والتلطّخ، والطامة الكبرى حدثت عندما وقع انفجار في المطمر نتج عنه انهيار كبير، وتسبب في مقتل العديد من الأشخاص واصابة اخرين. وهذه الواقعة أثارت الغضب وهو ما أدى الى الاحتجاجات الشعبية في لبنان للمطالبة بحلول فورية لازمة النفايات.
ضرر على المواطنين
يسبب مطمر الناعمة ضررا كبيرا للسكان القاطنين في المناطق المجاورة له، ويعود ذلك الى عوامل كثيرة منها: سوء إدارة المطمر، وعدم الامتثال للمعايير البيئية اللازمة، كما يمكن ان يحدث تدنيس شامل وتأثيراته سلبية على الصحة.
بالمقابل، يشكل تسرب السموم والمواد الكيميائية من المطمر الى التربة ومياه الشّفة تهديدا شديداً للصحة العامة، لان التعرض لهذه المواد يتسبب في مشاكل خطيرة مثل: التسمم، الامراض التنفسية والمعوية والجلدية الى جانب السرطانية.
بالإضافة الى كل ما تقدم، ينبعث غاز الميثان من عملية تحلل النفايات في المطمر، وهو غاز قوي الانبعاث يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري. كما يمكن ان يتسبب تراكم الميثان في الهواء المحيط بالمطمر، الى مضاعفة درجات الحرارة التي تأثر بدورها على المناخ.
هذه التفاعلات الضارة على الصحة والبيئة تستدعي اتخاذ إجراءات فورية لحماية المواطنين وتحسين إدارة النفايات في لبنان. كما يجب تفعيل وتنفيذ سياسات بيئية صارمة من خلال تعزيز تطبيق المعايير البيئية اللازمة للحد من التلطّخ وتوفير بيئة صحية آمنة للمجتمعات المحلية.
اغلاق لا عودة عنه
في هذا السياق، قالت النائبة نجاة عون صليبا لـ «الديار»، «مطمر الناعمة اوصد نهائيا، وعلينا الا نبحث في هذا الموضوع مجددا، لقد ناضلنا كثيرا وخضنا معارك شرسة حتى تم اقفاله، لذا يجب عدم معاودة فتحه نهائيا». اضافت، «يمكن استغلال الغازات المنبعثة من النفايات المتراكمة داخل المكب ومن الضروري توظيف هذا الغاز في توليد الكهرباء، وقد عملنا بجهد كبير لتحقيق هذا الهدف المتمثل بالطاقة المتجددة. وابعد من ذلك، لقد تم فتح الاعتمادات المخصصة لهذا المشروع واعتقد انهم باشروا بجلب المعدات اللازمة وافتتاحه بات قاب قوسين أو أدنى».
وصليبا سألت من خلال «الديار» مؤسسة كهرباء لبنان عن موعد بدء تنفيذ مشروع تشغيل الكهرباء من الغازات المنبعثة من النفايات؟
لتوضح الأخيرة لـ «الديار»، «ان المطمر تم صكّه ولا صلة للأخيرة به، والمسؤول عن الاستهلال بهذا المشروع هو مجلس الانماء والاعمار. اما فيما يخص معمل الكهرباء فقد استلمته «المؤسسة» وقامت بدورها من خلال استدراج عروض على مرحلتين لأعمال صيانة وتشغيل المعمل لمدة 5 سنوات، لكن القرار الذي تم اتخاذه في مجلس إدارة كهرباء لبنان ثبت على شركة MEP ورئيسها يحيى مولود، لكن وزارتي الطاقة والمالية لم تصادقا عليه».
وبالتالي، «عادت «المؤسسة» وتعاقدت مع ممثل الشركة المصنّعة في لبنان، لشراء قطع غيار أساسية، وهذا الامر يتطلب استبدالها في هذه المرحلة. وبناء على كل ما تقدم ابرم اتفاق في عام 2022 مع شركة CES ممثلة بالشركة الصانعة INNEO JEAN BACHER وقد عمدت مجموعتان الى تشغيل المعمل بقدرة 2 ميغاوات من أصل 30 للقرى التي يشملها مرسوم مجلس الوزراء».
بالمقابل، «اعتبرت النائبة صليبا، «ان القرى المجاورة انتفعت من الكهرباء لفترات طويلة ولكن من بعد 20 ألف ساعة مأخوذة من المولدات احتاجت الأخيرة الى صيانة. وهو ما أدى الى توقف العمل في معمل الناعمة وهذا ما عملنا عليه طويلا حتى استطعنا تأمين الاعتمادات ليعود الى التشغيل وللقيام بأعمال الصيانة المطلوبة وتأمين القطع المخصصة لإتمام المشروع».
وشددت، «ان الحديث عن إعادة فتح مطمر الناعمة امر مرفوض ويجب العمل على خطة إدارة النفايات لتفادي رمي الفضلات عشوائيا». مشيرة، «الى ان الأهالي في تلك المنطقة دفعوا ثمنا باهظا على حساب صحتهم وقد أظهرت الدراسات ان السكان أصيبوا بأمراض مزمنة مثل الحساسية، الربو وامراض المعدة جراء الانبعاثات الغازية». لذلك، «الأهم اليوم هو تنفيذ مشروع توليد الكهرباء من الغاز الذي يمكن توظيفه في هذا السياق لتوليد الطاقة المتجددة».
الكهرباء مشروع وطن
لا يخفى على أحد، انه تم تبني مشروع لتوليد الكهرباء باستخدام الغاز المتصاعد من نفايات المطمر. ويعتبر هذا المشروع جزءا من جهود إدارة الفضلات للاستفادة من القمامة الصلبة وتحويلها الى مصدر للطاقة البديلة.
بالمقابل، يتم جمع غازات النفايات الناتجة عن التحلل البيولوجي للمواد العضوية في المكب. وتشمل هذه الغازات العديد من المكونات مثل: ثاني أكسيد الكربون، الميثان، الهيدروجين الكبريتي، النيتروجين وغازات أخرى. وتجمع هذه العناصر بواسطة انابيب ومن ثم توجيهها الى وحدة معالجة.
بالإشارة الى انه يتم تنقية الغازات وإزالة المركبات الضارة والشوائب في وحدة المعالجة. بعد ذلك، تستخدم الغازات المعالجة لتشغيل محركات الاحتراق الداخلي او مولدات البخار لتوليد الكهرباء. ويصار الى توجيه الغازات الى محركات الاحتراق الداخلي التي تحرك مولدات الكهرباء، ومن ثم توزيع الكهرباء المولدة الى الشبكة الكهربائية المعدة للاستخدام العام.
في المحصلة، هذا المشروع يسمح بتدوير النفايات بتحويلها الى مصدر للطاقة وتخفيف الانبعاثات الضارة للغازات الدفيئة، مما يسهم في حماية البيئة وتحقيق الاستدامة البيئية. الى جانب كل ما تقدم، يجب ملاحظة ان توليد الكهرباء في مطمر الناعمة هو جزء صغير من الحل الشامل والمتكامل لازمة النفايات في لبنان، بسبب التحديات الأخرى التي تحتاج الى المعالجة بشكل فعال لتحقيق حلول مستدامة.
«البيئة» وخطة التلزيم
على خطٍ موازٍ، قال وزير البيئة ناصر ياسين لـ «الديار»، «ان معامل فرز النفايات اهملت في السنوات الماضية، وبعضها لم يدر بطريقة جيدة حتى قبل الازمة المالية بعد الـ 2019. هذا نتيجة تشتت القطاع على عدة إدارات مثل الانماء والاعمار ووزارة التنمية الإدارية والداخلية (اتحادات البلديات والبلديات)». أضاف، «بينما كانت وزارة البيئة غائبة او مغيّبة حتى صدر القانون 80 (2018) الذي وضع إطارا جديدا لإدارة النفايات الصلبة، والتي لم يعين أعضاؤها بعد».
أردف، «لقد عملت خلال الأشهر الماضية على وضع أنظمة الهيئة بالتعاون مع الهيئات الرقابية». مشيرا الى خطة الوزارة وتعتمد على 3 ركائز:
– «تعزيز الفرز من المصدر وزيادة عدد مراكز استلام المفروزات في المدن والمناطق. لافتا الى وجود 10 منها في منطقة بيروت».
– «حوكمة وتمويل أفضل، وتعديل القانون لتمكين البلديات من جباية رسوم مباشرة بشكل شهري لتغطية كلفة جمع النفايات ونقلها ومعالجتها والتخلص النهائي منها».
– تطوير البنية التحتية للنفايات الصلبة وتقسيم لبنان الى 15 منطقة خدمية يكون لكل منها معامل فرز وتسبيخ وكذلك مطمر صحي للمنطقة أي الـ (15)».
استكمل، «وضعنا خارطة للمطامر، لكنها بحاجة الى دراسات وحوار حولها مع البلديات والمجتمعات المحلية».
وعن تفعيل مشروع توليد الطاقة البديلة من الغازات المنبعثة من النفايات المتراكمة في مكب الناعمة أوضح ياسين، «لقد تم البت بالموضوع وتلزيم شركة من قبل وزارة الطاقة بعد تأمين تمويل متطلبات الصيانة والتشغيل من قبل وزارة المال لجهة محطات الكهرباء، لافتا الى ان إعادة فتحه يحتاج الى دراسات».
وراء كل مشروع فاشل.. «محاصصات»!
واجه مشروع توليد الكهرباء في مطمر الناعمة العديد من التحديات والصعوبات التي أدت الى فشله ومن بين هذه المحاصصات التي تتعلق بتقسيم الغنائم والارباح على السياسيين والنافذين:
– التمويل: كان لدى المشروع صعوبات في تامين التمويل اللازم للبنية التحتية وتنفيذ التقنيات المطلوبة لتوليد الكهرباء من غازات القمامة. غير ان توفير التمويل المناسب قد يكون صعبا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الماضية والراهنة والاشكالية في الأموال المرتبطة بالمشاريع البيئية.
– السياسات والتشريعات: يواجه العمل البيئي في لبنان مسوّغات وسجالات تتعلق بالتشريعات والإجراءات البيروقراطية. وهذا ما أثر على قدرة المشروع لجهة الحصول على التراخيص اللازمة وتنفيذها بسلاسة بسبب المعوقات القانونية والإدارية.
– الرفض المحلي: من المحتمل ان يتصادم مشروع توليد الكهرباء في مطمر الناعمة مقاومة من السكان والجماعات المحلية بسبب الجزع من الأذى الذي سيلحق بالبيئة والصحة. كذلك الامر بالنسبة لبعض الجهات المعنية بالمشروع نظرا للأثار السلبية المحتملة لتوليد الكهرباء من النفايات على المجتمع المحيط.
اعتراضٌ محقٌ!
اعتبر النائب بلال عبد الله عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» في حديث لـ «الديار»، «ان اقفال مطمر الناعمة تم بعد موجة اعتراضات من أهالي المناطق المحيطة، وهو احتجاج محق، كونهم تحملوا على مدى أعوام طويلة كل نفايات لبنان، عندما كانت الشوارع تعج بها».
أضاف، «للأمانة هذا المكب تم تنفيذه في إطار علمي جدا، خاصة لجهة الطبقات والتغطية والمنافس ومخارج الغاز، ولمنع تسرّب العصارة الى المياه الجوفية. لذلك بعد الاقفال الطويل بدأت المشاكل، بتجميد الاعتمادات المخصصة لشركة الصيانة، وشركة معوض كانت تتولى هذا المشروع من قبل مجلس الانماء والاعمار». اتبع، «لكن للأسف بعض الموظفين الذين كانوا يتابعون كل اعمال الصيانة وتنفيس احتقان الغاز لم يحصلوا على حقوقهم المادية».
وأوضح عبد الله، «منذ اليوم الأول تابعنا ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط وكل من السادة النواب أكرم شهيب وراجي السعد، التفاصيل المرتبطة بهذا الملف والبداية كانت بزيارة الى مجلس الانماء والاعمار حيث تم انهاء هذا الملف العالق بين «المجلس» و «شركة معوض» (للنفايات). وينطلق من تأمين الصيانة الدائمة للمطمر ولذلك تم إعادة صيانة العقد وتمديده لستة أشهر إضافية مع تعديل بعض الأسعار ليكون هناك نوع من الانصاف لان العقد القديم حكما لم يعد يتوافق وأسعار الكلفة الجديدة».
تابع، «الجهد الأساسي انصبّ على إعادة تشغيل المعمل الذي توقف عن الإنتاج بسبب مشكلة تلزيم إعادة الإنتاج حيث تم استدراج عروض رَسَت على احدى الشركات، وكان هناك عقبات تتعلق بالعرض الذي قدم، وهو ما أدى الى تعليق العمل لسنوات».
أردف، «هذا الامر استدعى تدخلنا برعاية رئيس اللقاء الديموقراطي الذي عالج المشكلة مباشرة. وطلبنا من الشركة التي استوردت تجهيزات تعود للمعمل الى إعادة تشغيله وحاولنا قدر الإمكان الإسراع بالتنفيذ وذلك بالاتفاق مع مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة المال ومصرف لبنان لتوفير الاعتمادات المطلوبة وتم تلزيم هذه الشركة لشخص من «آل صقر» وهي التي بنت معمل الكهرباء على غاز ميثان النفايات وقدمنا الدعم لتأمين المستلزمات».
قاب قوسين وأدنى
أشار عبد الله، «الى ان تشغيل المعمل أصبح جاهزا تقريبا، وقد اجروا اختبارا تجريبيا وما تبقّى هو القليل من الصيانة الإضافية لبعض المعدات واعتقد اننا على مسافة قريبة جدا من إعادة تشغيل المعمل الذي سينتج بحدود الـ 4 ميغا». وقال: «حكما ان حاجة المنطقة والمحيط أكبر من هذا المعدل ولكن بعضهم يخضع لمرسوم الاستفادة المجانية من الكهرباء بسبب تحملهم الضرر لفترات طويلة». أضاف، «اعتقد ان مؤسسة كهرباء لبنان ما زالت ملتزمة بتنفيذ هذا المرسوم وان كان لا يوجد كهرباء يكفي لتغطية الحاجات ولكن ستكون عادلة بالتوزيع».
ختم عبد الله، «نحن نواب»اللقاء الديموقراطي» سنتابع التفاصيل ان كان فيما يخص الصيانة مع مجلس الانماء والاعمار، أو فيما يتعلق بالمعمل مع «كهرباء لبنان» لتأمين استمرارية انتاج الكهرباء وإعطاء القرى المحيطة حقهم بالمرسوم المعمول به».
المصدر: الديار