ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها موضوع رفع السرية المصرفية في لبنان، والذي يُعتبر واحداً من أبرز القوانين التي تميّز بها القطاع المصرفي اللبناني. فقد اعتمد لبنان السرية المصرفية اعتبارًا من العام 1956 وكان لذلك أثرأً كبيراً في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الإستقرار الإقتصادي، بموجب القانون الصادر بتاريخ 3 أيلول 1956، مع وجود المادة 579 من قانون العقوبات التي تعاقب على افشاء الأسرار من قبل الأفراد الذين يعلمون بها بحكم وضعهم أو وظيفتهم، أو مهنتهم أو فنهم، من دون أن يكون هناك سبب شرعي أو استعمال لمنفعة خاصة أو لمنفعة أخرى.
وقد أُطلِق على لبنان تسمية سويسرا الشرق، من خلال مقارنته أو مقاربته لسويسرا في كونه ملجأ للأموال الخارجية الهاربة، ومن خلال اعتماده قانونًا للسرية المصرفية، متوخيًا منها دوافع إقتصادية تهدف إلى جذب رؤوس الأموال، لتعزيز الوضع الإقتصادي في البلاد، وحفظ سيادتها واستقلالها.
هذا القانون، ساهم بشكلٍ كبير في نهضة القطاع المصرفي في لبنان، والذي، في ظلّ هذا القانون، استفاد من رساميل وأموال عديدة أتت من دول مجاورة في الشرق الأوسط بسبب المشاكل السياسية والأمنية فيها، ما أدى إلى هجرة الأموال ودخولها لبنان للإستفادة من السرية المصرفية، ما أدى إلى ازدهار القطاع ما بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إضافة إلى فورة القطاع بعد الحرب الأهلية وحتى عام 2019 ولكن لماذا عاد هذا الموضوع إلى التداول الإعلامي اليوم وما هي تبعاته على الإقتصاد؟
يجيب المستشار المالي والمصرفي غسان أبو عضل، أن هذا الموضوع أُعيد إلى الواجهة والتداول اليوم، تزامناً مع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذلك في ضوء برنامج التمويل المرتقب ، والأموال التي سيخصصها للبنان، والخطة التي سيقرها والشروط التي وضعها على الحكومة من اجل دعم العجز في لبنان، مشيراً الى ان رفع السرية المصرفية هو واحد من هذه الشروط، خصوصاً وان صندوق النقد يهمه وجود قوانين تتمتع بالشفافية وان لا يكون هناك قوانين تمنع معرفة المصادر التي تذهب اليها الأموال التي سترسل إلى لبنان، وبهدف أن لا تلقى مصير الأموال التي كانت موجودة في القطاع المصرفي والتي هدرت في السنوات الماضية، ولذا فإن هذا الأمر هو اليوم محطّ اهتمام من صندوق النقد.
ولفت أبو عضل إلى أن قانون السرية المصرفية بشكله الحالي، يحمل الكثير من الإستثناءات، لناحية مكافحة تبييض الأموال والجرائم يسمح في بعض الحالات أكثر ممّا كان في السابق بالحصول على معلومات عن بعض الأشخاص التي تحوم حولهم الشبهات وصدرت بحقهم أحكام أو ملاحقات بجرائم إرهاب، موضحاً أن القانون لم يُطبّق بالطريقة التي كانت مفترضة، حتى إنه يكافح الفساد، وكان من الممكن الإستفادة منه في بعض الحالات بوجود شبهات فساد أو أحكام فساد.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان هذا الموضوع سيؤدي إلى هروب الرساميل من لبنان، أكد ابو عضل أن الأزمة الإقتصادية الموجودة في لبنان، كما الأزمة المصرفية والمالية، شكّلت ضربةً للرساميل والودائع الموجودة في المصارف، خصوصاً وأن الرساميل لم تعد تتدفق بشكل كثيف، وحتى قبل أزمة العام 2019، وذلك بسبب المواقف السياسية وتراجع السياحة ووحركة الإستثمارات في لبنان، علماً أن رؤوس الأموال والإستثمارات، غابت قبل الازمة وبعدها، فيما الأموال الموجودة اليوم في المصارف تسعى إلى المغادرة، وبالتالي فإن غياب هذا القانون لن يقدّم ولن يؤخّر في هروب الرساميل.
وحول ما إذا كان هذا الأمر سيلغي التعامل مع المصارف، أكد أن الإقتصاد اليوم، بات قائماً بشكل كبير على الدفع الكاش في ظلّ غياب الدفع بالشيكات أو من خلال البطاقات الائتمانية في التعامل اليومي، وبالتالي فإن الأموال في القطاع المصرفي تتناقص بشكل مستمر من دون أن يكون هناك أي بديل لها، حتى ما يُعرف بـ”الفريش”، أصبح يمرّ في المصارف مرور الكرام، ولا يبقى فيها لفترة طويلة، لكي يستفيد منها الإقتصاد والمصارف على المدى الطويل.
لبنان 24