الجمعة, مايو 17, 2024
الرئيسيةأخبار محليةهل من مفعول رجعي لقانون السرّية المصرفية؟

هل من مفعول رجعي لقانون السرّية المصرفية؟

إذا كانت القاعدة الأساس تقوم على «عدم رجعيّة مفاعيل القوانين»، غير أن هذه القاعدة، وفق علم القانون والاجتهاد الدستوري الفرنسي، تحتمل استثناءات (exceptions) وتليينات (tempéraments) متعدّدة، ويعود للمشترع إقرارها، من دون أن تشكل مخالفة لقاعدة دستورية أو لمبدأ، ذي قيمة دستورية.

كما في حال القوانين التفسيرية (lois interprétatives) وقوانين المصادقة على أوضاع قانونية ناشئة (lois de validation)، والقوانين الجزائية الألطف (lois pénales plus douces)، والقوانين الناطقة بذاتها بالمفعول الرجعي (lois expressément rétroactives)، وغيرها.

ضمن هذا الإطار العام، هل يمكن أن يكون للقانون رقم 306 / 2022 مفعولاً رجعياً والمادة الخامسة (5) منه تقول:
«يُعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية « (أي منذ 3/11/2022).
3 – في الواقع، إن القانون المذكور هو تعديلي للقانون الأساسي الصادر بتاريخ 3/9/1956 والذي أقرّ قاعدة السرّية المصرفية بقوله:
– «تخضع لسرّ المهنة المصارف المؤسسة في لبنان على شكل شركات مغفلة والمصارف التي هي فروع لشركات أجنبية…»
«وإن مديري ومستخدمي المصارف المُشار إليها في المادة الأولى وكلّ من له إطلاع بحكم صفته أو وظيفته بأية طريقة كانت على قيود الدفاتر والمعاملات والمراسلات المصرفية يُلزمون بكتمان السرّ إطلاقاً لمصلحة زبائن هذه المصارف ولا يجوز لهم إفشاء ما يعرفونه عن أسماء الزبائن وأموالهم والأمور المتعلّقة بهم لأي شخص فرداً كان أم سلطة عامة إدارية أو عسكرية أو قضائية، إلاّ إذا أذن لهم بذلك خطيّاً صاحب الشأن أو ورثته أو الموصى لهم أو إذا أُعلن إفلاسه أو إذا نشأت دعوى تتعلّق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها».

وقد جاء القانون التعديلي المشار إليه ليؤكّد على القاعدة ذاتها بقوله حرفياً:
– «تخضع لسرّ المهنة المصارف المؤسسة في لبنان على شكل شركات مغفلة والمصارف التي هي فروع لشركات أجنبية».

أ – إنّ مديري ومستخدمي المصارف المشار إليها في المادة الأولى وكل من له اطلاع بحكم صفته أو وظيفته بأية طريقة كانت على قيود الدفاتر والمعاملات والمراسلات المصرفية يلزمون بكتمان السرّ لمصلحة زبائن هذه المصارف ولا يجوز لهم إفشاء ما يعرفونه عن أسماء الزبائن وأموالهم والأمور المتعلّقة بهم لأي شخص فرداً كان أم سلطة عامة إدارية أو عسكرية أو قضائية، إلاّ إذا أذن لهم بذلك خطيّاً صاحب الشأن أو ورثته أو الموصى لهم أو إذا أُعلن إفلاسه أو إذا نشأت دعوى تتعلّق بمعاملة مصرفية بين المصارف وزبائنها، أو وفقاً للإستثناءات المنصوص عليها في المادة السابعة من هذا القانون».

فجاءت النبذة الأخيرة من الفقرة (أ) من المادة الثانية (2) أعلاه المتعلّقة بالإستثناءات لتنصّ على حالات إضافية التي تُلزم فيها المصارف برفع السرّية المصرفية عن عملائها.

غير أنّ الفقرة (ب) من ذات المادة الثانية (2) أعلاه حدّدت بدورها الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين لا يستفيدون من أحكام السرّية المصرفية بمعرض تعاملاتهم مع المصارف. وهم:
– الموظف العمومي… والأزواج والأولاد القاصرون، والأشخاص المستعارون، و/أو المؤتمنون و/أو الأوصياء، و/أو صاحب الحق الإقتصادي».
– رؤساء الجمعيات والهيئات الإدارية التي تتعاطى نشاطاً سياسياً، وهيئات المجتمع المدني…»

– رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف ومدراؤها التنفيذيين ومدقّقو الحسابات الحاليين والسابقين…».

الملاحظ أن الغاية من هذا التعديل في التشريع هي تتبُّع حسابات وحركة أموال كل هؤلاء الأشخاص الذين باتوا لا يتمتّعون بالسرّية المصرفية. فيما كانوا يتمتّعون بها كسواهم من زبائن هذه المصارف قبل إقرار القانون التعديلي المشار إليه. وإن رفع السرّية عنهم إنما يقع بصفتهم مشمولين بأحكام كلّ من القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب)، والقانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الأول 2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع)، والقانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 (قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)».
كما إن تحديد هؤلاء الأشخاص في الزمن الذين لم يعد يستفيدون من أحكام السرّية المصرفية هم الذين «تولّوا سابقاً أيّاً من المسؤوليات الواردة في النبذات 1 و2 و3 من الفقرة (ب) من المادة الثانية (2) من القانون 306 / 2022، منذ 23 أيلول 1988 ولغاية تاريخه بمن فيهم من أُحيلوا على التقاعد أو أصبحوا خارج الخدمة…» بحيث إن تتبُّع حركة أموال وحسابات هؤلاء الأشخاص لدى المصارف لم تعد محميّة بالسرّية المصرفية. وإن ملاحقتهم بأي من هذه القوانين الثلاثة أضحت جائزة وغير مشوبة بعائق السرّية المصرفية.

ضمن هذا الإطار للقانون 306 / 2022 الذي يرمي الى تتبُّع حركة حسابات وأموال الأشخاص الذين رُفِعَت عنهم السرّية المصرفية والمحدّدين بالفقرة (ب) من المادة الثانية (2) من ذلك القانون، لكونهم من فئة المشمولين بأحكام القانون رقم 44 تاريخ 24/11/2015 وتعديلاته، والقانون رقم 189 تاريخ 16 تشرين الأول 2020، والقانون رقم 175 تاريخ 8 أيار 2020، فإنه لا يمكن أن يكون للقانون المذكور مفعولاً آنياً (effet immédiat) بل مفعول رجعي (effet rétroactif).
على اعتبار أن هوية الأفراد المشمولين برفع السرّية المصرفية عنهم والآماد التي يعود إليها تولّيهم لمهامهم ووظائفهم هي التي تحكم أن يكون للقانون التعديلي المذكور مفعول رجعيّ.

لو كان للقانون المشار اليه مفعولاً آنياً صرفاً لما نصّ المشترع على النبذة الأخيرة من الفقرة (ب) من المادة الثانية (2) منه، التي قالت بالتالي:
«تبقى مفاعيل الفقرة (ب) سارية على المذكورين فيها حتى بعد تاريخ إستقالتهم أو إنهاء خدماتهم أو إحالتهم على التقاعد، وذلك عن طيلة الفترة التي كانوا يتولّون فيها مهامهم أعلاه ولمدة خمس سنوات إضافية بعدها. كما تسري على كلّ من تولّى سابقاً أيّاً من المسؤوليات الواردة فيها في 23 أيلول 1988 ولغاية تاريخه، بمن فيهم من أحيلوا على التقاعد أو أصبحوا خارج الخدمة. (…)».

في أي حال، إن القواعد الوضعية التي يقرّها المشترع والتي تكون رَمت الى رفع السرّية المصرفية عن بعض الأشخاص (أكانوا طبيعيين أو معنويين) تسهيلاً لتتبُّع حركة حساباتهم وأموالهم لدى المصارف وتعاملاتهم معها بهدف التمكّن من ملاحقتهم، عند الإقتضاء، لاكتسابهم أموالاً غير مشروعة، إنما تفترض بطبيعتها وغايتها ان يكون لها مفعول رجعي. لأنه لو أُعطيت مفعولاً آنياً صرفاً لأمكن هؤلاء الأشخاص الذين رُفعت عنهم السرية المصرفية أن يتبرّؤوا من أية ملاحقة عن الأموال غير المشروعة التي يكونون قد اكتسبوها قبل صدور قانون رفع السرّية المصرفية عنهم.
كما ان القانون التعديلي الذي يقرّ برفع السرّية المصرفية في حدّ ذاتها، في حالات محدّدة وبالنسبة لأفراد معيّنين، إنما لا يتناول في موضوعه أوضاعاً قانونية (situations juridiques) مستقرّة أو تُعتبر مستقرّة، حتى يُعطى مفعولاً آنياً.
ذلك أن كل قانون جديد، ومن حيث المبدأ، له مفعول آني وليس رجعياً. بمعنى أنه لا يسعه أن يعدّل في الأوضاع التي أضحت مستقرّة.

أما القانون التعديلي رقم 306 / 2022 الذي قضى برفع السرّية المصرفية عن فئة من الأشخاص المشمولين بقوانين «مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والإثراء غير «المشروع، ومكافحة الفساد في القطاع العام، «فإنه يكون، بفعل أحكامه ومندرجاته وغاية وضعه التي عبّر عنها المشرّع بإقراره له، ذو مفعول رجعي لزوماً. بالدليل الإضافي المستمدّ من أسبابه الموجبة:

«تعزيز إجراءات ووسائل مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تعزيز إجراءات ووسائل مكافحة الفساد، وتعزيز الإمتثال الضريبي والحدّ من التهرّب».

المصدر : الجمهورية

Ads Here




مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

Translate »