قفزات جنونية سجلها سعر صرف الدولار أمام الليرة في الأيام الأخيرة، في وقت ترمى يميناً وشمالاً أرقام عن أسعار صرف يقترح اعتمادها، إن للموازنة (تم تسريب رقم الـ12 ألف ليرة وقد يرتفع الى 20 ألفاً) أو للدولار الجمركي على أساس 20 ألفاً والذي يلقى اعتراضات حتى الساعة.
تستغرب مصادر مالية الخفة في التعاطي في ملف الدولار الجمركي، وتقول: “إن الحكومة لم تضع توقعاتها في شأن تداعيات هذه الضريبة وانعكاساتها على المواطنين وسط غياب خطة اقتصادية شاملة يكون هذا الاجراء من ضمنها، وإن كل ما قامت به هو عملية حسابية صرف لمعرفة الايرادات المتوقعة من احتساب الدولار الجمركي”.
وكانت مصادر مالية قدّرت الايرادات جراء احتساب البضائع الواجب التصريح عنها للجمارك بـ14 ألف مليار ليرة على أساس دولار جمركي بقيمة 12 ألف ليرة.
وأكدت المصادر أن تطبيق الدولار الجمركي لن يؤدي الى زيادة ايرادات الدولة كما تأمل، بل على العكس، لأنه سوف يتسبب بالمزيد من التضخم والتراجع في القوة الشرائية، ويؤدي توازياً الى زيادة عمليات التهريب الى الخارج. وشرحت أن الدول تعلن عادة عن فرض ضرائب من دون تسريبات مسبقة كي لا تترك مجالاً لعمليات الاحتكار، فيما بدأ تناول مسألة الدولار الجمركي منذ حوالي السنة وهو ما دفع بالتجار المستوردين الى تخزين السلع على أساس سعر صرف جمركي يساوي 1500 ليرة، بانتظار تحين الفرصة لتوزيعها بعد رفع الدولار الجمركي وتحقيق أرباح خيالية.
وبين هذا وذاك، تسرّبت معلومات عن احتمال رفع الدولار المصرفي إلى 12 ألف ليرة في تعديل للتعميم 151 الذي أجاز للمودعين سحب وديعتهم الدولارية من المصرف على أساس سعر 8 آلاف ليرة معدلاً من 3900 ليرة سابقاً. في حين لا يزال المودع يحصل على جزء العملة المحلية من وديعته الدولارية من خلال التعميم 158 (أي 400 دولار فريش و400 دولار بالليرة) على أساس 12 ألف ليرة.
وعلى الرغم من أحقية رفع الدولار المصرفي بالنسبة الى المودعين الذين يُفترض بهم أصلاً أن يحصلوا على وديعتهم كاملة وبلا اقتطاع وبالعملة التي تم إيداعها، إلا أن تعديل السقف له محاذير كبيرة.
فرفع الدولار المصرفي سوف يزيد من حجم الكتلة النقدية قيد التداول في السوق والتي كان مصرف لبنان يسعى في الأشهر الأخيرة إلى تقليصها. ووفق آخر الارقام التي نشرها المصرف المركزي في 15 من الشهر الحالي، بلغت الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة 43643 ألف مليار ليرة ارتفاعاً من 6333 مليار ليرة في نهاية العام 2019. وتكمن مخاطر التنامي الكبير في حجم الكتلة النقدية في التداول، بما معناه طبع عملة محلية وضخها في السوق، كونها ستؤدي إلى ارتفاع تضخم الأسعار شديدة التضخم أصلاً، وهو ما يعني خسارة ما قد يجنيه المودع من خلال سعر السحب الجديد، وحتى من لا يملكون حسابات مصرفية، نتيجة تآكل قدرتهم الشرائية. كما سيتسبب هذا الأمر بارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، كون الفائض من السيولة سيذهب حكماً الى السوق الموازية، ما يعني طلباً متنامياً على الدولار وانهياراً إضافياً للعملة المحلية.
فأي توحيد هذا لسعر الصرف الذي تريد الحكومة الوصول إليه في إطار تنفيذها شروط صندوق النقد الدولي قبل التوصل إلى أي اتفاق معه؟ وما هو المعيار الذي تعتمده في تحديد سقف الـ12 ألفاً أو 20 ألفاً أو وفق منصة “صيرفة”؟
إن تحديد سعر الصرف لا يمكن بلوغه من دون وجود خطة اقتصادية شاملة محددة الاصلاحات التي من شأنها العمل على تقليص الفارق بين السعر المعتمد رسمياً (عبر منصة “صيرفة”) وذاك الذي يتم تداوله في السوق الموازية. وبالتالي فان الاصلاحات والاجراءات التي تتخذها الحكومة هي التي ستعبّد الطريق أمام توحيد لسعر الصرف في وقت لاحق.
المصدر : لبنان الكبير