ستبقى لعبة الدولار هاجساً يقضّ مضاجع اللبنانيين الذين ينامون على حرير انخفاض العملة الخضراء حينا ويستيقظون على أشواك ارتفاعها حينا آخر، حتى صاروا يتعاملون معها على طريقة حزورة العاشق الذي يحمل وردة بيده “بتحبني… ما بتحبني”، أما الدولار فـ”بيطلع … ما بيطلع”.
أمس ارتفع سعر صرف الدولار الى نحو 30 ألف ليرة، بعدما كان شهد ثباتا على معدلاته لأكثر من اسبوع، في صورة شبه مستقرة، يخرقها أحيانا ارتفاع أو انخفاض طفيف يراوح ما بين 100 إلى 200 ليرة على نحو لا يؤثر كثيرا في حركة السوق. وتزامن الارتفاع في سعر الدولار أمس، مع زيادة سعره على منصة “صيرفة” من 24400 إلى 24700 ليرة.
وفي السياق، وردت ملاحظات عدة حول عمليات مضاربة كبيرة يقوم بها أفراد وشركات، فيما لم يستبعد مصدر في مصرف لبنان أن تكون المصارف قد دخلت أيضا في لعبة الدولار، لذا ووفقا للمصدر عينه، قرر “المركزي” التعميم على المصارف وضع ضوابط جديدة على تطبيق التعميم 161، بعدما جاء بيان 27 أيار الماضي ليفتح “كوتا” التداول على “صيرفة” من دون سقف.
منذ إعلان حاكم مصرف لبنان في 27 الشهر الماضي عن تجديد العمل بالتعميم 161 وتحويل الليرات إلى دولارات عبر المصارف، جرى التداول في سوق القطع عن طريق منصة “صيرفة” وخلال 11 يوما فقط بمليار و192 مليون دولار، وهذا رقم كبير جدا، برأي الأكاديمي والباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور أيمن عمر، وتاليا ينبغي على أساسه انتظار ميزانية مصرف لبنان النصف شهرية المقبلة لمراقبة احتياط المصرف من العملات الاجنبية ودرجة تأثرها بذلك، وما إذا كانت هذه الدولارات من الاحتياط أي من أموال المودعين.
وقد راوح التداول على منصة “صيرفة” منذ 30 أيار الماضي وحتى 12 حزيران الجاري ما بين 88 مليون دولار و196 مليونا، “وهذا ما جعل الاستقرار النقدي سمة المرحلة” وفق عمر، و”لكن المحطة المفصل كانت الإثنين (أول من أمس) حيث انخفض التداول في المنصة إلى 55 مليون دولار بعدما كان 100 مليون بتاريخ 10 حزيران، و110 ملايين دولار بتاريخ 9 حزيران، أي انخفض بمعدل النصف تقريبا، وتاليا من الطبيعي أن نشهد هذا الارتفاع في سعر الدولار، على اعتبار أن درجة مرونة السوق مع منصة صيرفة مرتفعة جدا تجعل منه حساسا بدرجة كبيرة مع انخفاض حجم التداول فيه”.
الى ذلك، يشير عمر الى أن انخفاض حجم التداول في المنصة يدفع المواطنين والتجار إلى التمسك بالدولارات أكثر فأكثر، ويزداد طلبهم على الدولار حاليا لخوفهم من نقص المعروض منه مستقبلا في المنصة بما يدفع إلى ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
ويلفت ايضا الى عامل سياسي مهم جدا قد يكون محطة في مسار سعر الصرف، ويتعلق بما سيسفر عن زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية من نتائج.
توازياً، عمّم مصرف لبنان على المصارف وضع سقف قدره 500 دولار لكلّ حساب، على أن يفيد منها بموجب التعميم 161، وتالياً، إذا كان لدى الفرد أكثر من حساب مصرفي فيُمكنه الافادة من تصريف 500 دولار من كلّ حساب مصرفيّ، مع طلب الحصول على فواتير وبيانات جمركية وغيرها من الأوراق الثبوتية من الشركات التي تطلب الدولارات من حساباتها وفق التعميم 161.
ويأتي هذا التعديل المفاجئ لمسار بيان 27 أيّار إثر معلومات عن عمليات صرف كبيرة تفيد منها جهات معينة، من خلال تصريف دولاراتها في السوق السوداء، وحمل ليراتها إلى المصارف وتبديلها بدولار على سعر منصّة “صيرفة” الأقلّ من سعر السوق السوداء، ممّا يسمح بتحقيق أرباح كبيرة، لم ينجُ من إغرائها عدد من المصارف التي دخلت في لعبة الدولار وحقّقت الأرباح، وفق المصدر عينه في مصرف لبنان.
وعزا المصدر انخفاض حجم التداول على منصة “صيرفة” حتى 55 مليون دولار إلى بدء تطبيق القيود الجديدة، ولأنه تم وضع ضوابط على التّجار، منها تقديم البيانات والمعلومات كافة من فواتير وبيانات جمركية، مشدّداً على أنّ “الموضوع ليس أنّ كلّ شخص لديه دولار يقوم ببيعه في السوق السوداء، ثم يأتي إلى المصرف لشراء دولار وفق “صيرفة” ويحقّق الأرباح، فهناك أصول يجب أن تتبع بمسؤولية، وعلى المصارف أن تضع الضوابط ضمن حدود معيّنة كيلا تتحوّل هي بدورها إلى تجارة الدولار”.
المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها المحامي الدكتور باسكال ضاهر عزا أسباب ارتفاع سعر السوق الموازية الى عدم قدرة مصرف لبنان على الاستمرار بمنصة “صيرفة”، لا سيما ان مفعول الاتفاق السياسي غير المعلن بين الحكومة ومصرف لبنان للمحافظة على استقرار سعر الصرف في فترة الانتخابات قد انتهى مع ربط ذلك بدخول الحكومة مرحلة تصريف الأعمال، بما يؤثر على مفعول الطلب الحكومي من مصرف لبنان التدخل من وحدات حقوق السحب الخاصة.
ويؤكد ضاهر عدم قدرة مصرف لبنان على الاستمرار بمنصة “صيرفة”، بدليل البيان الصادر عنه الذي وضع حداً لسقف التحويل قدره 500 دولار للافراد، والامر عينه بالنسبة الى الشركات كما دفعها الى الاتجاه نحو السوق الموازية بما سيتسبب حكماً بارتفاع سعر الصرف استنادا الى قواعد السوق. يضاف الى ذلك الاسباب الناشئة عن عدم وضوح المسار السياسي إن كان بالتكليف او بالموضوع المتصل بانتخابات رئاسة الجمهورية.
هذا من حيث الاسباب الداخلية لارتفاع سعر الصرف، اما الاسباب الخارجية فيلخصها ضاهر بآثار الحرب الروسية – الاوكرانية ومفاعيلها المباشرة على ارتفاع الأسعار العالمية، سواء تلك المتصلة باسعار المحروقات او بالمواد الغذائية، اضافة الى التضخم الحاصل في الولايات المتحدة الاميركية، والاشكاليات المتصلة بتعثّر مفاوضات فيينا وربط كل ذلك بحالة عدم اليقين بالسوق العالمية.
المصدر: النهار